السوسنة السوداء / اسمى بسطامي

السوسنة السوداء
يطالعني منظر رائع من تلك النافذة الصغيرة للطائرة ، على وطنٌ بحجم الكون ، أشكال مختلفة تظهر تباعاً ، يغلب عليها اللون الأخضر ،، وأُخرى عشوائية بمساحات عذراء شُكلتْ بيد الخالق سبحانه حيث تمتزج سويا وتؤلف وطناً عزيزا يسمى – عمان –
دقائق طويلة مشوقة قبل ان يبتسم بوجهك موظف الجوازات بحلّة عسكرية معتادة طال شوقنا لها ، بسمةٌ تنبئ عن ترحيب صامت حروفها تنطق ب ” أهلاً بك في وطنك ،،،، نوّرت .
تلك التحية تمسح وجع الغربة بثوانٍ ، وكأنك اجتمعت بكل العائلة في لحظة ، كيف لا وقدميك ومن زمن تقف أخيراً على أرض صلبة تحملك وتحمل معك هواجسٌ ما فارقت خيالك وانت بعيد .
” أنا هنا في وطني الأم ولغتي الأم ،،،،،، وحضن أمي حيث أرمي رأسي على ‘ رويحة الجنة ‘ ،،، وتتبخّر مني كل آلام الشتات .
هنا تكون لهجتي معرفّه ، وتطرق أذني مفردات نسيتها خلال لغةٍ اخرى مهما أتقنتها لا تُخبر أبداً عني ، حيث يخونني التعبير في لحظة التأجج وتخرج لغة أمي صافية صادقة تصفني بصدق .
كل هذه الإنفعالات تمرّ بلحظة وأنا أطالع وجوهاً حبيبة تشبه أهلي وعزوتي ،، وترافقني بطريق العودة الى بيتي !!
تتابع مشاهد مختلفة من نافذة السيارة ، تارة جميلة واُخرى فوضوية ،،، غير أنني أحبها ، ” عمان في القلب ” وكأني غادرتها بالأمس فقط ، كل ما فيها يحمل معنى واحدا وكفى ،، ‘ وطن ‘ . كل ما فيها يلقي إليَّ التحية ،،، زهور الربيع ومرج اخضرٌ ممتد ترتع فيه خرافٌ سمينة وراعٍ بعصا متدلّية بكسل يهشُ بها فتتجمع عنده .
أحياءاً أمرّ بها أعرفها وتعرفني وكأنها أحياء ، وقلبي يسابق الريح شوقاً للوصول فتنازعني نفسي أني وصلت حقاً ،، منذ لامست قدماي أرض الوطن ، وطن السوسنة السوداء .
لا شيئ في الدنيا يعادل الوطن ،، كلها محطات عابرة سلكناها بحثاً عن حياة أفضل ، لم تكن يوماً أفضل حيث تسكننا الأماني بعودة دائمة حتى وإن طال الزمن ، عمَّان نسكنها وتسكننا ،،، وتسكنْ فيها أرواحنا ، نغادرها ونترك قلوبنا معلّقة على أرجوحة الزمن ، حيث تمضي بِنَا الأيام خارجها ،،،، ولا تمضي .
” وجدتِ انت فلا جرحٌ ولا ،،،،، آهُ .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى