لماذا أصبحنا أرقاما؟؟؟ / طارق آل سعيفان

لماذا أصبحنا أرقاما؟؟؟

إن لكل إنسان هدف، يسعى لتحقيقه في مختلف مناحي حياته بشتى الطرق و الوسائل، و الكثير منا قد يبذل مما يملك النفيس و الثمين ليبلغه، و لكن هذا الهدف كبيرا كان أو صغيراً سرعان ما يتحطم على عتبات الأرقام.
لماذا أصبحنا أرقاماً؟؟؟
لو أتيح لنا و تمحصنا أعمال من هم حولنا لوجدنا بأن القليل منهم من يعمل بالمهنة التي يحب، بل و أن الكثير منهم يعمل في مجال ربما أرغمته عليه الظروف؛ كي يستطيع أن يستمر في تأمين أدنى مقومات المعيشة له و لمن يعيل، ولعل هذا هو العامل الأول الذي جعلنا نتحول إلى أرقام تشابهت في شكلها العام حتى و إن اختلفت في مضمونها، فلا قيمة لهذا الاختلاف ما لم يكتب له أن يطفو على سطح البحر، و زد على ذلك بأن الإنسان إن لم يعمل فيما يحب فإنه لن يتميز عن غيره مما يجعله رقما على هامش الحياة.
أما عن العامل الثاني الذي أودى بنا إلى أن نصبح أرقاما بلا هوية، هو عدم وعي أصحاب العمل و أربابه لمفهوم القيادة العصري الذي من أهم متطلباته الأساسية أن يرتقي بعامليه و موظفيه؛ ليعطوه أفضل ما يملكون من منتجات، و لكن أرباب العمل لا زالوا يتعاملون مع موظفيهم بفكرة الأرقام التي يسعون من ورائها فقط إلى تحقيق مكاسبهم الشخصية فقط.
و إلى جانب العاملين السابقين فأنك تستطيع أن تلقي اللوم في العامل الثالث على غياب التنشئة الصحيحة للفرد سواء كان ذلك على صعيد الأسرة أو على صعيد المجتمع ، و التي ينبغي أن تقوم على بناء شخصية و كيان الفرد على منطلقات الشخصية المستقلة القادرة على النجاح في العمل المستقل و أهميته لنا،مهما عانينا من ظروف و ضغوطات لنصل إليه.
و أضف إلى ما سبق من عوامل نطرق عتبات العامل الرابع الذي يعود إلى غياب المؤسسات الحكومية والخاصة الهادفة إلى النهوض بالفرد في شتى جوانب حياته؛ كي تنهض بالأسرة و بالمجتمع، فلعل لغياب هذه المؤسسات التي ينبغي أن تحرص على تطوير الأفراد الذين هم بناة المجتمع، الأثر الكبير في تحويلنا إلى أرقام غير قادرة على الإنجاز و الإبداع مهما حاولنا.
و إلى جانب ما سبق من العوامل الأربعة فإننا لن نغفل الأثر الكبير الذي تركه العامل الخامس في تحويلنا إلى أرقام، و هو هنا إن جاز لنا القول أن نعود به على اندثار الدافع الداخلي بين تراكمات الحياة والذي من واجبه أن يدفعنا إلى الخروج من بوتقة رقمية الإنسان إلى بوتقة العمل و الإبداع والاختلاف عن الآخرين لنصبح في أعالي مراتب التمييز الذي نصنع به المجتمع الذي نريد.
و مما سلف لنا ذكره من عوامل قد تكون مجتمعة أو أشتاتا فإن تحول الأفراد في مواقع عملهم أو في مجتمعهم إلى مجرد أرقام، هي المسؤولة عن بقائنا دون تقدم أو تطور، الأمر الذي إن لم نتغلب عليه بما يتجاوز سرعة الضوء، فإن الفجوة بيننا و بين دول العالم الأول و الثاني سوف تبقى في ازدياد و اتساع مستمرين إلى أعوام مديدة، ليس لها من حل سوى أن نعيد النظر في هذه العوامل مراراً و تكرارا؛ كي نستطيع تفكيكها و التغلب عليها، فإن فعلنا ذلك نجونا بأنفسنا و بمجتمعاتنا و إلا فإن رقمية البشر ستطغى على أسمائهم و قدراتهم التي بها يتمايزون عن غيرهم في مخاضات الحياة التي قد أصبحت لا حول ولا قوة لنا عليها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى