الأهمية الاقتصادية للاستقرار الداخلي

الأهمية الاقتصادية للاستقرار الداخلي
أ. د أحمد العجلوني

يهتم التحليل الاقتصادي عموماً والتحليل المالي منه بشكل خاص بالاستقرار الداخلي في أي بلد كعنصر من عناصر اتخاذ القرار الاستثماري، حيث يهتم جانب التحليل الذي نسميه في علم الاستثمار بـ “التحليل الأساسي” بالعوامل المؤثرة على قيمة الاستثمارات (المالية وغير المالية) ارتفاعاً وانخفاضاً؛ وهذه العوامل تشمل بشكل أساسي متغيرات سوق الاستثمار من عوامل اقتصادية بحتة كالعرض والطلب وتوفر مصادر التمويل والمنافسة. كما تشمل هذه العوامل البيئة التشريعية والسياسية وكذلك البيئة التكنولوجية والاجتماعية. إذ إن عنصري اتخاذ القرار الاستثماري الأساسييّن وهما العائد والمخاطرة يتأثران مباشرة بتغير العوامل التي يتناولها التحليل الأساسي.
إن القرار الاستثماري لا يتعلق فقط بالجدوى الاقتصادية والمالية وحسابات الربح والخسارة فقط؛ فهو لا بد وأن يتأثر بعناصر البيئة الاستثمارية الأخرى بسبب تأثيرها المباشر عليه، خاصة البيئة التشريعية والسياسية. حيث تتعلق البيئة التشريعية بوجود قوانين وتشريعات عامة أو ما يتعلق منها بتنظيم النشاط الاقتصادي كقوانين العمل والضرائب والرسوم والجمارك، ووجود نظام شفاف وعادل للتقاضي يحفظ حقوق المستثمرين في حال نشوب أي خلاف. كما أن استقرار البيئة السياسية المتمثل بنظام سياسي يتميز بنظام حكم مستقر ومنظومة تشريعية منتخبة بحرّية وشفافية يعد عنصراً مهماً جداً في تعزيز بيئة الاستثمار. ومن أهم الأمور المرتبطة باستقرار البيئة السياسية والتشريعية ممارسات الإدارة والحكم الرشيد اللذان يعززان الشفافية ويحدّان من تفشّي الفساد، وهناك مؤشرات عالمية للمقارنة بين بلدان العالم المختلفة تقيس مدى توفر العناصر التشريعية القانونية والسياسية المهمة للبيئة الاستثمارية.
إضافة لأهمية توفر بيئة مستقرة سياسياً وتشريعياً في اتخاذ القرار الاستثماري للمستثمرين المحليين والأجانب، فإنها غاية في الأهمية لدعم قدرة البلد على تدبير الأموال من مصادر التمويل الدولية من أسواق المال العالمية أو مؤسسات التمويل الأجنبية (كالبنوك أو مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد الدولي أو البنك الإسلامي للتنمية) فضلاً عن تأثير هذا الاستقرار على عوامل أخرى ذات علاقة بالاستثمار مثل سعر صرف العملة ومستوى البطالة وغيرها. فعندما يرغب بلد ما في الحصول على التمويل الخارجي فإن الجانب الأساسي في القرار الائتماني للجهات المقرضة يعتمد بشكل أساسي على تحليل ما يسمّى بـ “مخاطر البلدان”، والتي تختلف من بلد لآخر تبعاً لعوامل عديدة من أهمها الاستقرار السياسي واستقرار القوانين واحترامها من قبل الحكومة بالدرجة الأولى. وكلما كان هناك استقرار أكبر كانت المخاطرة أقل وبالتالي تزيد حظوظ البلد في الحصول على التمويل وبتكلفة أقل وبشروط ميّسرة.
وإن ما يعيشه بلدنا هذه الأيام من ظروف وأحداث سيؤثر بلا شك على بيئة الاستثمار بشكل مباشر، كما أنه سيؤثر على قدرة الأردن في تأمين التمويل الخارجي اللازم (مع التحفظ – بالطبع – على سياسة الاقتراض الحالية). وكما أن هناك عوامل إيجابية تجعل من بيئة الاستثمار ملائمة وتعزز من الثقة بها وفي المقابل، فإن هناك عوامل في الاتجاه المعاكس علينا وضعها في الحسبان أيضاً. فالاستجابة السريعة الفعّالة (مثلاً) لوباء كورونا قد جنّبت البلد انهيار النظام الصحي، ونتج عن هذه الفعالية أيضاً فرصاً يمكن الاستفادة منها؛ وقد أشرت إليها غير مرة في مقالاتي بداية الأزمة. ولكن في مقابل هذا العنصر الإيجابي تبرز عناصر سلبية مثل تفشي الفساد والترهل الإداري الذي نجم عنه مآس كثيرة آخرها حوادث التسمم الناتج عن الدجاج الفاسد.
وتبرز المعالجات الحكومية لقضايا مطلبية لشرائح معينة من المجتمع كعلامة فارقة غاية في السلبية فيما نراه ونتابعه في التعاطي مع مطالب المعلمين. وهذا ما تنبهت إليه وسائل الإعلام الأجنبية وهيئات الدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها. الأمر الذي يؤشر على عدم الاستقرار التشريعي وعدم الاحتكام إلى القانون ومصادرة الحريات الأساسية لدى شريحة واسعة من المواطنين، مما يعطي تقييماً سلبياً سيؤثر على ترتيب الأردن في المؤشرات العالمية وسيؤثر على تقييم الأردن في التقييمات الائتمانية للبلدان التي تصدرها المؤسسات المالية المتخصصة بالتقييم الائتماني (مثل: فيتش وموديز وستاندرد آند بورز).
إن مسارعة السلطات الحكومية إلى تعزيز الاستقرار الداخلي للحد من المظاهر الأمنية المتشددة وإنهاء العمل بقانون الدفاع أولويات ذات أهمية كبيرة جداً للاقتصاد الأردني لكي يتحقق الاستقرار لبيئة الاستثمار فيه وتتحسن التقييمات الائتمانية للأردن. وهذه مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق هذه السلطات تستدعي منها المسارعة إلى مراجعة سياساتها في التعامل مع القضايا المطلبية للمعلمين وغيرهم، والسعي إلى تحقيق نتائج ملموسة وموثوقة في مكافحة الفساد الإداري في أجهزتها، وتحقيق سيادة القانون فيما يتعلق بالتهرب الضريبي والجمركي والحفاظ على موارد الدولة المالية.

حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى