التاريخ الديني – 6 / د . هاشم غرايبة

التاريخ الديني – 6

نشأت المسيحية في الشرق، وترعرعت فيها ودخلت فيها شعوب المنطقة بسرعة كونها امتداد للديانة الإبراهيمية التوحيدية والتي لم تنقطع جذورها من النفوس التي تميل الى الإيمان، وبنفس السلاسة أيضا تحولت هذه الشعوب الى الإسلام عندما جاءها الفاتحون من الجزيرة، لأنها اعتبرت دخولها الإسلام تطورا للعقيدة الإيمانية ذاتها.
وفي حقيقة الأمر لم يكن ذلك شاملا، فقد ظلت بعض الفئات التي تنتمي الى قوميات غير عربية وتتشبث بهويات قديمة تخشى عليها من الإنقراض، مثل السريان والأشوريين والكلدان ظلت متمسكة بالمسيحية، كونهم اعتبروا الإسلام ذا طابع عربي.
حدث الشيء ذاته في مصر، فالغالبية من المصريين ذات الأصول العربية التي كانت مندمجة مع ذوي الأصول القبطية، لم تجد صعوبة في التحول من المسيحية الى الإسلام للدوافع نفسها، لذلك لم يجد عمرو بن العاص حاجة للقتال عند فتحه مصر، عملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوصى بالأقباط خيرا، الغالبية رحبوا بالفاتحين الذين خلصوهم من ظلم الرومان، وأما الذين قاوموا دخول المسلمين فكانوا أقباط الإسكندرية، فلم يلجأ الى القتال بل بقي محاصرا للمتحصنين شهورا حتى وافقوا على الصلح مع بقائهم على دينهم.
ظلت المسيحية موحدة طوال الفترة التي ما قبل انتشار المسيحية في أوروبا على يد الرومان، رغم التباينات في مبدأ التوحيد، لكن سرعان ما انشقت على يد الأوروبيين فنشأت الكنيستان الشرقية والغربية، لكن قيادتيهما ظلتا غربية على الحالين، فكانت الشرقية الارثوذوكسية رئاستها رومية بالمسمى الشرقي ويونانية بالمسمى الغربي، وأما الغربية الكاثوليكية فقيادتها لروما.
استفحل هذا الانشقاق في أيام ميخائيل كيرولارس بطريرك القسطنطينية عام 1054 ،لأسباب سياسية أكثر منها عقائدية، انتشرت الأرثوذكسية الشرقية في روسيا وبلاد البلقان واليونان وعموم الشرق الأدنى, اما أغلب المسيحيين العرب فالتحقوا بالكنيسة الأرثوذكسية، ويطلق عليهم اسم الروم الأرثوذكس بسبب انهم يتبعون الطقوس الدينية اليونانية البيزنطية، وصلب العقيدة فيها مبني على أن الله هو الإله وأن يسوع المسيح هو الرب ويعتبرونه ابن الله ومساوٍ له في الجوهر.
أما الكاثوليكية فعقيدتها مبنية على مبدأ التثليث، وأصبحت هي الأكبرلأسباب سياسية وليست عقدية، ، ونمت سلطة البابوات بسبب استخدامهم لعقوبة الحرمان واستثمارهم لصكوك الغفران ، مما حدا بالثورة البروتستانتية والتي بدل أن تجلب الإصلاح أوجدت تسلطا جديدا جراء إدخالها المعتقدات اليهودية كجزء من الإيمان المسيحي، وأصبح الكتاب المقدس يبدأ بالتوراة قبل الإنجيل، فأسس ذلك لمذهب جديد هو المسيحية الصهيونية، والذي سمح للصهاينة بالتحكم في سياسة أمريكا والغرب لصالح مفاهيم تعتبر احتلال فلسطين من قبل اليهود من صلب العقيدة.
الخلافات المذهبية نشأت في العقيدتين المسيحية والإسلامية، وأصبحت هنالك تناقضات أدت الى التقاتل والتصارع بسبب استغلال المعتقد من قبل ذوي الأطماع السياسية ، وجرى تعميق الخلافات من أجل التخندق والإستئثار بالسلطة، لم يحصل ذلك في المعتقد اليهودي بسبب احتكار فهم وتفسير التوراة من قبل فئة منعته عن غيرها، فلم يتسن لغير الكهنة مناقشة العقيدة، لذلك ظلت موحدة لكنها غامضة ومغلقة دون العامّة.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى