زعران / يوسف القرشي

زعران
لا بد أننا متفقون أن الدين ليس له علاقة بالشكل بقدر ما هو علاقة رائعة بين الإنسان وربه ، ثم بين الإنسان و من حوله ، لكننا نقف مشدوهين في كل لحظة نرى فيها ملتحياً يقدم على عمل يشوبه خطأ الإنسان ونقصه ، ولربما ألقينا اللائمة عليه زيادة على ما نلقيه على غير الملتحي ، وهذا لا يدل إلا على ميزة مضافة يمنحها الشكل للشخصية عامة.

منظومة التدين – اجتماعياً – منظومة كانت ولا زالت مميزة لكونها إحدى وسائل الرقابة الذاتية ، بل وإحدى وسائل الربط الاجتماعي بين مجتمعات يصعب الربط بينها ، فلطالما ربط الدين بين مجتمعات مختلفة الهوية واللغة والمصير ، وقام بقولبة ثقافتها لتصبح ذات هوية واحدة ، ومصير واحد يتعاطف القاصي فيها مع الداني ، والأحمر مع الأسود ، في صورة فسيفسائية رائعة الجمال .

الحالة الإسلامية أضافت للمعادلة السابقة منحى واقعياً ندر في الأديان بشكل عام ، حيث جمعت بين توحيد الشعوب والنضال لأجل تحريرها من عبادة الأشياء والأوهام وبين واقعية عجيبة في التعاطي مع الحياة الدنيوية تلك التي اعتبرتها الديانات الأخرى أوساخاً يجب التخلص منها بل منح الإسلام للحياة وزنها وللموت وزنه ، ولم يجاف بينهما ، بل اعتبر الحياة ممرا للآخرة ، إذ لا حياة أبدية حقيقية دون حياة مثمرة وناجحة إيمانياً وعملياً .

الدين إذن – والإسلامي منه خاصة – سمة إيجايية للمجتمع وليس نقطة سلبية ، إنه أساس في حفظ السلم المجتمعي ، و بناء مجتمع آمن متعاضد متعاون ، لطالما كان كذلك … مما يدفعك إلى التساؤل : كيف استطاع البعض تحويل تلك العلامة المميزة في جبين الشعوب المسلمة والعربية منها خاصة ، إلى علامة على التخويف والتهديد والقتل والفوضى ؟!!

لقد قال أحدهم يوماً : إنما يؤتى الإسلام من خبيث من الخارج أو غبي من الداخل . ونحن في مثل هذه الأيام نواجه الصنفين مجتمعين ؛ غبي .. يحاول أن يخدم الإسلام بعكس مقصوده ، وخبيث يستخدم عمل الغبي لينشر بين الناس أفكاراً خاطئة مبنية على تعميمات يدرك هو خطأها قبل غيره .

لا بد أننا ندرك كمجتمع أردني وعربي وإسلامي أن هناك فئة من الناس ما زالوا ” زعراناً ” ذوي أسبقيات حتى لو نبت الشعر على وجوههم ، نفسياتهم وهواجسهم وأمنياتهم لا زالت تشكل بذات الطريقة التي كانت تتشكل بها وهم في “الحارة ” … الرغبة في فرض القوة والسيطرة ، و حب البلطجة و فرض الرأي ، مع خفة في التعليم إن وجد أصلاً ..أضف إلى ذلك مشاكل عائلية وسوء إدارة للموارد المالية وفشلا في الحياة العملية .

الأزعر ليس ذا منهج إلا منهج القوة ؛ يميل معها حيث مالت ، لذلك تعجبه مشاهد العنف والدمار والأشلاء ، يتفنن بها ويرغب أن يكون أحد أبطالها ، لإنه ما زال عنيفاً وإن ناداه الناس بالشيخ ، لا زال في داخله تلك الرغبة الجامحة في التدمير والقتل والترهيب وإثبات وجود يفقده ، وإن وقف في وجهه أعلم علماء الإسلام يحاججه ، لإنه ليس له حاجة بالإسلام … بل له حاجة بلباسه فقط .

فليسموا منهجهم العقيم بما شاؤوا ، ولكني أود لو يظهرونه على حقيقته ، منهجاً يحب القتل لذات القتل ، والدمار لذات الدمار ، والخراب لذات الخراب ، منهجاً يحاول أن يقيم قيامة الناس ، وينزل عليهم جهنم سيولاً من كل مكان، يتقصدون البلد الآمن فيقلقلونه ، والمكان الهادئ فيفزعونه ، و في كل مكان عليهم من المسلمين دعوة .

يروى أن أحد الخوارج وقف مع تلميذه يوم عرفة وقال له مشيرا إلى الجمع العظيم : ليس على الأرض مؤمن إلا أنا وأنت . فقال له التلميذ : جنة عرضها السماوات والأرض لي ولك فقط… اشهد أني قد تركتها لك ، وعاد لجماعة المسلمين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى