من ذكريات قاع المدينة / منصور ضيف الله

من ذكريات قاع المدينة
سقف السيل ، سوق الحرامية ، الجورة ، قهوة خبيني ، نبض البلد ! سينما الحمراء ، حمام النصر ، كافتيريا الربيع ، ريفولي ، شارع طلال ؛ أماكن حملت من الأحداث ما يؤلم ، ومن الذكريات ما يجرح ، وفي يقيني أن أحدا لم يلتقطها ، او يفكر في تسجيلها ، فأبطالها مغمورون ، عبروا سماء عمان ذات زمن ، ومضوا في عالم النسيان ، وعمان يومها غانية ، مشغولة بشبابها ، مفتونة بأحلامها ، محروسة ببهج اللحظة ، ووهم دوامها .

خليط من أفواج بشرية تعبر كل يوم ، تلتقط ما تحتاج وتمضي ، وثمة أغراب استقروا هناك ، في قاع المدينة عاشوا ، ينظرون بوابة الأفق عل طائر البرق يأتي ، وطائر البرق كذوب خؤون .

أبو محمد ، في الأربعينيات ، يحمل في جوفه سرا ، غائرا . لطيف المعشر ، بائع بالة ، ثم بائع ساعات . كثيرا ما أعاد على مسامع الفتى قصة سجنه في دمشق ، وعودته إلى الوطن . في رحلة العودة ، وفي قرية الشجرة ألتقته فلاحة حورانية ، صدمت لمنظره ، منحته بعض المال ، على الأرجح كل ما تملك ، و”شبشبها” النسوي . يذكر ذلك بكثير من الامتنان والإكبار .

أخذتنا الحياة ، ومضى كل في طريق ، إلى أن التقيته ذات مساء في قهوة خبيني ، عيناه حمراوان ، شعره أشعث ، وملابسه رثة ، صدمت ، هل تعرفني ؟ نعم . منصور . احتسينا كأسي شاي ، نقدته ما تيسر . وخرجت .

في شارع طلال ، وشمس عمان تتدثر بلحاف من غيم ، والمطر يتساقط بغزارة ، لمحته على الجانب الآخر مفتوح الإزار ، عاري القدمين ، شارد العينين ، غائب الذهن ، يهذي بكلمات غير مفهومة ، لقد جن ، أبو محمد فقد عقله !!

أسقط في يدي ، وقفت مصدوما ، أجتاحتني عاصفة من حزن ، ولا شعوريا امتدت يدي لتمسح دمعة حيرى .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. المبدعون هم من يوثقون ذاكرة المكان والزمان دون الالتفات لنزف الروح أو ألم البوح وهم في تناولهم لأشخاص المكان يعطون هذا التوثيق مزيدا من الإبداع حتى تتكامل الصورة وتصبح لوحة فنية ..مزيدا من الإبداع استاذنا وكل التهاني بكاتب يجسد ذاكرة أنسان ووطن..!!

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى