لغتنا الجميلة

لغتنا الجميلة
د. هاشم غرايبه
شعر كثير من الباحثين عن أدلة على عدم انتساب #الإسلام الى الله بالغبطة عندما ظهرت نظرية المدعو “لوكسنبرج” بخصوص أن أصل #القرآن سرياني مترجم الى #العربية، اعترف ناشر كتابه أن الإسم مستعار، وقيل أنه لبناني وقال آخرون أنه ألماني يهودي مدرس للغات الشرقية في الجامعة العبرية.
تنبني نظريته الهزيلة على التشابه في بعض #المفردات بين العربية و #السريانية أو وجود معنى لبعض الكلمات الواردة في القرآن التي من أصول أعجمية.
يجب أن نعرف أن اللغات السامية ذات أصل واحد، لكن يحاول أصحاب فكرة المشرقية التي يتبناها المتعصبون ضد الإسلام القول أن أصل كل سكان سوريا سريانا ثم احتلها العرب فأدخلوها في الإسلام!. السريانية هي إحدى الأبجديات السامية التي تشترك بشكل كبير مع أبجديات اللغات الفينيقية والآرامية والعبرية والعربية، لذا فإن هذه حال كثير من اللغات وليس شرطا أن أحدها مقتبس من الأخر، وما تتقدم به لغة عن أخرى هو بسبب ازدهار وتفوق أهلها أولا وبسبب من قوتها وقدرتها على مقاومة الإنقراض ثانيا.
فاللغة اللاتينية مثلا هي أصل اللغات الأوروبية الغربية لكنها انقرضت لتحل محلها لغات الأقوام الحاليين.
بما أن أصل السريانية هو الأبجدية الآرامية العتيقة والتي يعود أصلها إلى نحو القرن الثاني قبل الميلاد، لذا فهي أحدث عمرا من اللغات السومرية والأكدية التي انقرضت، وكذلك كان الأمر مع السريانية التي لم تتطور فقاربت على الفناء، ولم يحفظها إلا تمسك الأقلية السريانية بها، والتي قاربت هي الأخرى على الإندثار لولا الدعم من العالم المسيحي.
قدمت ذلك للدلالة على الفرق الشاسع بين اللغة العربية الهائلة القوة مقارنة بالسريانية شبه الميتة، وفي ذلك إثبات على تهافت الحجة بأنها لغة القرآن، لأن من يتقبل هذه الفكرة، هو فقط من لا يعرف العربية، أو من هم معرفتهم بها ضئيلة، ولا يعلم أنها أقوى من كل اللغات الإنسانية الحديثة طراً، فعدد ألفاظها يبلغ أكثر 12.3 مليون كلمة، في حين أنها في الإنجليزية 600 ألف والفرنسية 150 ألف.. أي أن العربية تبلغ أكثر من ضعف اللغات المشهورة مجتمعة..
اللغات عموما هي وسيلة للتخاطب وليست سمة دالة على الشخص، ولا محددة لهويته، فقد يتقن شخصا عدة لغات، اللغة التي تعلمها من والديه ونشأ عليها تبقى لغته الأم، وبهذه اللغة فقط تختزن معلوماته في ذاكرته، وحين يستخرجها يترجمها الى اللغة التي يشاء.
ذلك يدلنا على أن هنالك لغة أولى للعائلة الأولى من البشر، وإلا كيف كان الله يعلم آدم الأسماء كلها، ثم يخاطبه محذرا إياه من اتباع الشيطان، فهل كان ذلك بالسنسكريتية كما يقول الأوروبيون، أم السريانية كما يدعي السريان!؟.
وإذا كان الله أنزل القرآن باللغة العربية، فقال: “إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” [يوسف:2]، كما قال: قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ” [الزمر:28]، فما لزوم أن يحفظه ملايين السنين في اللوح المحفوظ بلغة غير لغته العربية التي أنزله بها، حين حلول الوقت المعلوم لإنزاله على البشر وتبليغهم إياه؟.
أليس الأولى أن يكون في الأصل بلغته ذاتها؟.
هنا نتساءل: لماذا لا تكون لغة آدم هي العربية والتي تفرعت منها وانشقت عنها كل اللغات الأخرى، واختلفت بسبب الهجرات والتباعد الجغرافي وقلة التواصل الثقافي؟.
والدليل على ذلك أن كل اللغات الأخرى ترتيب حروفها رغم تباينها لا يختلف إلا قليلا عن العربية، فهي تبدأ بالألف جميعها ثم بالحروف التالية له مع بعض التباينات الهامشية في الترتيب.
إذا فالعربية لم تولد مع استيطان “جرهم” الجزيرة العربية، بل قبل ذلك بحقب شاسعة، وحتى قبل العرب البائدة مثل عاد وثمود.
فالعربية ليست عنصرا مرتبطا بالعرب، بل لأنهم تحدثوا العربية (التي تعني اللسان القويم)، سموا عربا، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم “إنما العربية لسان”، لذلك فكل الأقوام القديمة (سواء كانوا في الجزيرة أم خارجها) الذين ظلوا يحافظون على استعمال اللغة العربية، هم عرب.
أما الدليل الأقوى فهو قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ” [ابراهيم:4]، ولما كان كل الرسل السابقين أرسلوا الى أقوام محددة، فيما كانت الرسالة الخاتمة للعالمين، لذا فالعربية هي الأصل وهي لغة الإنسانية جمعاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى