لغتنا الجميلة

#لغتنا_الجميلة
د. هاشم غرايبه

سمعت أحدهم يقول لآخر: ألم تتخرج من #الجامعة بعد ؟، فأجابه لا لقد تخرجت.
في حقيقة الأمر فالسائل والمجيب مخطئان، فكان الأصح أن يكون السؤال: ألم تتخرج في الجامعة وليس من الجامعة، وكانت الإجابة الأصح هي: لا لم أتخرج بعد، إن كان ما زال يدرس في الجامعة، أو يقول بلى لقد تخرجت، إن كان قد أنهى الدراسة، لأن إجابة استفهام النفي (ألم) تكون بالإثبات.
كثير من استعمالاتنا اللغوية تكون خاطئة، لكن اعتيادنا عليها يسوغ الخطأ فتصبح أخطاءً شائعةً، ومن فرط تكرارها تحل مكان الصواب وتبعده.
وقد كنت في أوائل السبعينات أتابع برنامجا إذاعيا بعنوان: “قل ولا تقل” للعلامة العراقي مصطفى جواد، وكان يعنى بتصحيح الأخطاء الشائعة، لكن الأجمل كان توضيحه لمعنى وتفسير الصواب.
هذا العلامة الشهير هو تركماني الأصل لكن شغفه بالعربية جعله يعد أفضل مؤرخ لغوي، ومن طريف ما يحكى عنه أن عبقريته بانت منذ طفولته، فقد كان يستطيع وهو في الكتّاب حفظ قصيدة للمتنبي في ساعة واحدة، وتخرج من دار المعلمين عام 1924 حيث نال فيها إعجاب الأستاذين “طه الراوي” و”ساطع الحصري”، وكان أساتذته يقولون له: “أنت أفضل من أستاذ!” فهو يكمل عجز البيت الشعري إذا توقف عن ذكره، ويحلل القصيدة بقدرة مدهشة، ويتصيد الأخطاء ويكتشف المنحول.
وبالمناسبة فإن من أهم ما يسجل له كباحث تاريخي أنه أثبت أن الشيخ عبد القادر الكيلاني هو من مواليد قرية “جيل” وهي عراقية وفي المدائن وليست “جيلان” طبرستان الإيرانية، وبناء على ذلك طالب الرئيس أحمد حسن البكر إيران باستعادة رفات الشيخ الموجود في إيران إضافة الى رفات هارون الرشيد الذي مازالت إيران تحتفظ به، لكنها رفضت .
من كتابه “قل ولا تقل” وهو تدوين للبرنامج المعروف بالإسم ذاته، اخترت ما يلي :

  • قل: فلان مؤامِر ولا تقل متآمر، لأن مفردها آمر فهو مؤامر، فالمتآمر لا تستعمل إلا في المثنى أو الجمع، والمفرد لا يتآمر مع نفسه وإنما مع آخرين.
  • قل: وقف في المستشرف ولا تقل في الشرفة، لأن الشرفة هي زينة السطح من أجزاء مزخرفة وأما ذلك الجزء الناتيء من البناء المتصل بغرفة ويستعمل للجلوس فيه فيسمى المستشرف أو الروشن.
  • قل: أيما أفضل العلم أو المال، ولا تقل أيهما أفضل العلم أم المال، لأن أي استفهام للتخيير و”هما” ضمير يعود الى اسم ظاهر متاخر أي إخبار، فلا يجوز استخدام الضمير قبل الظاهر.
  • قل: ثباتا ولا تقل صمودا، لأن الصمود تحرك ومشي للأمام وليس الوقوف والمكث، فإذا كان المعنى المراد هو الوقوف في الحرب على سبيل المقاومة، قيل ثبت في الحرب ثباتا وليس صمد صموداً.
  • قل: الشيء الذي ذكرته آنفا أو سالفاً، ولا تقل: الشيء الآنف الذكر، فاستئناف الشيء هو الرجوع الى أوله.
  • قل: تثبت فلان في الأمر، ولا تقل تثبت من الأمر، لأنه فعل خماسي مشتق من (ثبت) والذي يحتاج ظرف مكان لزوميا، وبذلك يستقيم المعنى بأنه يعني التأني في الأمر وعدم التعجل فيه.
  • قل: عرَّض فلان فلانا للتعذيب أوللأذى أو العقوبة، ولا تقل: تعرّض فلان للتعذيب، لأن التعرض يدل على رغبة الفاعل في الفعل للمفعول به، لكن المفعول به لا يكون به رغبة في ذلك الفعل، فالتعرض هنا لا يمكن أن يكون من فعله .
  • قل: هؤلاء الطغام والطغامة، ولا تقل الطغمة، وهي تقال للعصبة الشريرة والرديئة، وأصله يعود الى الذباب الصغير الذي يقع على أعين الدواب المهزولة والمريضة التي لا تستطيع دفعها.
  • قل: كتاب شائق وموضوع شائق، ولا تقل شيّق، لأن الشيق معناه المشتاق وهذا وصف للبشر وليس للجماد.
  • قل: يكافح الإستعمار ويحاربه، ولا تقل: يكافح ضده، لأن ذلك يعكس المعنى المقصود، أي أن الكفاح هو لمن كان ضد الإستعمار، فكأنك تناصره ولست تحاربه.
    وبعد، فهذا الذي اقتبسته من كتاب ذلك العلامة الجليل هوغيض من فيض، فلغتنا شائقة، وفيافيها شاسعة، لا يمل المرء من التجوال فيها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى