“لعلكم تتقون”

“لعلكم تتقون”

عبير الحسن

وهلت نسائم من تاقت النفس للقياه ،ومن نعد الأيام من عام الى عام شوقًا له ،شهر رمضان ونبدأه بحمد لله أن بلغنا اياه عامًا آخر ،ليأتي شهر الاحسان والرحمة واجابة الدعاء، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف وعده ،غير أن رمضان قد يمرعلى كثيرين دون أن يحدث ردة الفعل التي يجب أن تكون ، فهو فرصة لتهذيب النفس ورقيها وتجاوزها عن الكثير، رحمةً وتسامحًا وعفوًا وأجرًا وتقوى ،هذا هو المعنى الحقيقي للصوم ،وليس غضبًا نراه في سلوك الكثير،أوقسوةً أو تعنتًا أو غفلة، مثل الذي يقضي يومه بين أكل وشرب ونوم ،ومتابعة لهذا العرض السنوي من الدراما التي لا تحلو لمنتجيها لإطلاقها إلا في رمضان ،عجبًا لهم وعجبًا لأناسنا الذين ساروا مع الموجة.

هي أيام قليلة ، فما المانع أن أستثمرها بما فيه خيرٌ ورحمةٌ واحسانٌ للآخر، وتقديم عون مهما كان يسيرا ، بل إن اليوم لايكفي إن كان لنا خطةً ومنهاجًا من العبادة والتقرب من الله وصلة الرحم ،والإحساس بفئات تحتاج لقطرة غيث، فلماذا لا أكون أنا أوأنت أو نحن.

مقالات ذات صلة

كم نتمنى أن نرى في وجوه الآخرين رمضانًا مختلفًا، أعني همةً مختلفة ،انجازًا واتقانًا للعمل،لماذا لا نعزم الأمر على تغيير سلوك وعادة ، أو نتعلم أمرًا جديدًا يضيف لشخصنا ولأمتنا ، ولماذا لا نتخذ قرارًا لأن نكون لبنةً حقيقيةً وننضم  لقافلة من يعمرون الأرض عبادةً وعملًا واقعًا لا ترديد لشعارات أوأداء لفرائض ونسك فقط والتي هي أيضا يغفل عنها الكثير بل هي البداية والأساس.

وها هو يأتي علينا رمضان آخر ، ونحن في ظل هذا الوباء الذي غير ملامح حياة اعتدنا عليها ، رمضان محطة للتوقف ،ومع وباء كورونا علينا ان نقف وقفةً حقيقيةً وجادة على مستوى الأفراد والشعوب حتى يبعد الله عنا هذا الوباء فاذا لم يكن رمضان وكورونا يعيد حساباتنا فمتى سنستيقظ؟؟!!

ففي التاريخ إن الطاعون الذي أصاب مصر، حصد كثيرًا من الأرواح لدرجة أن القاضي لم يتمكن أن يوزع التركة على الورثة لأنهم كانوا يموتون تباعًا وفي النهاية يؤول الورث لبيت مال المسلمين ، فأطلق المصريون حينها مقولة “يا وارث من يرثك” فوجه شيوخ المساجد الناس الى التضرع الى الله وصلة الرحم ورد المظالم ورجوع التآخي والمعاني الانسانية بين المسلمين واعتبروه أنه الحل الأخير لانه يا وارث من يورثك.

وسبحانه بعدها بفترة وجيزة انتهى الوباء.

يقول الله تعالى : فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)الانعام

وما أحوجنا اليوم الى الرجوع الى هذه المعاني التي فيها من الرحمة والاحساس بالآخر ونبذ الأنا وأن نحب للآخر ما نحبه ونرضاه لأنفسنا ،وتحقيق التكافل بجميع صوره والتي لن تستقيم حياتنا بدون هذه المعاني ،فحياة بعيدة عن الله ومرضاته واتباع أوامره لا معنى لها أبدا .

وتلعب كثير من الجهات في توعية الناس بهذه المعاني، وهي دعوة للقائمين على العملية التربوية والاعلام والدعاة وخطباء المساجد لجعل الناس يحبون الله ويكون هو سبحانه وتعالى الأول في حياتنا وليس أهوائنا ورغباتنا وكثير من أمور دنيوية لا تغني ولا تسمن من جوع ،فلو كان رضا الله حقيقة هو المرد في كل أمورنا لاختلفت حياتنا وانعكس ذلك على كل مناحي الحياة فيها من الحضارة والكرامة والعيش الكريم وعلاقات تسودها الأخوة والمودة وحب الآخر.

وكم كان حري من وسائل اعلامنا طيلة الجائحة وحتى الآن أن تعد العدة وتضع خطة فيها من توجيه الناس الى العودة الى الله والعمل وفق مرضاته في كل شؤون حياتنا  والحمدلله لدينا الكثير من المربين والدعاة وأصحاب الخبرة من نفاخر بهم .

ندعو الله أن يردنا اليه ردًا جميلًا وما دمنا نطالب باصلاحات على كافة الأصعدة أرى قبل أي شيئ أن نعد العدة لإصلاح النفس بداية لتستقيم ولتطمئن حينها سنرى الإصلاح واقعًا لا محالة.

رمضان أيام وتمضي والخاسر الأكبر من لم يدركه ويعتبره فرصة لإعادة ترتيب الأولويات والأهداف والطموح ومعرفة مكامن القوة والضعف ،فرصة قد لا نعيشها عامًا آخر، فلنعطي لأنفسنا الإنذار الذي قد يغير الكثيرحقا.

لعلكم تتقون أقولها لنفسي بداية، ولكل فرد ،و لكل مسؤول أوموظف أوصاحب رعية حتى لو كانت نفسه ، فالتقوى هي المقصد والغاية من الصيام ،فكما جاء في قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )(183)البقرة

لعلكم تتقون، ليكون شعارّا لبناء بلدنا ومجتمعنا كبر أم صغر ، وأمتنا التي نأمل أنها سترتفع وترقى وتسمو ويحذو حذوها باقي الأمم باذن الله.

عبير الحسن

الاذاعة الأردنية

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى