“تحميلة روسية” لبشار الجعفري وبشار الأسد / د . فيصل القاسم

“تحميلة روسية”
قبل حوالي أكثر من سنتين، وفي لحظة صفاء، كتب لي شبيح سوري كبير مقرب من القيادة السورية رسالة عبر فيسبوك يقول فيها:” سيذكر التاريخ أن أكبر خازوق أكلناه في حياتنا جاءنا من الصديقين الروسي والإيراني المزعومين”.

بصراحة تفاجأت بكلام الشبيح، خاصة وأن المؤيدين عادة يفكرون بحوافرهم وبساطيرهم العسكرية لا بعقولهم. سألته: “لماذا أنت غاضب من الإيرانيين والروس، مع العلم أنهم أكبر حلفائكم، ولولاهم لما استمر نظامكم حتى الآن”، فأجاب: ” لقد باعنا الروس والإيرانيون للأمريكي والإسرائيلي، بدليل أنهم سمسروا على السلاح الكيماوي السوري، فقد وضعت إسرائيل شرطاً أمام الإيرانيين بأنها لن توافق على الاتفاق الدولي حول مشروع إيران النووي، ما لم تسارع إيران إلى إقناع حليفها السوري بضرورة التخلص من السلاح الكيماوي نهائياً”. وقد تدخلت إيران، حسب الشبيح، لدى القيادة السورية وأقنعتها بضرورة التخلص من الكيماوي، لأنه سيصب لاحقاً في مصلحة محور “الممانعة والمقاومة”. أما بالنسبة لروسيا، فيرى الشبيح أنها كانت رأس الحربة، فهي التي أشرفت على تخليص سوريا من سلاحها الاستراتيجي من بداية اللعبة حتى نهايتها بالتنسيق مع إيران خدمة لإسرائيل. وقال حرفياً: ” الحليف الحقيقي يعطيك أسلحة اضافية، ولا يجردك من سلاحك الاستراتيجي الوحيد ألا وهو الكيماوي”. ثم راح الشبيح يصب جام غضبه على روسيا، وتحديداً على وزير الخارجية الروسي لافروف قائلاً: “نحن نعلم أن إسرائيل وأمريكا عازمتان على تقسيم سوريا منذ أمد بعيد، لكن الغريب أن روسيا تتعاون مع الأمريكيين بشكل حثيث لتقسيم سوريا”. وقد تفاجئت عندما قال لي الشبيح حرفياً قبل أكثر من سنتين: ” سيذكر التاريخ أن اتفاق كيري-لافروف سيكون أخطر علينا بكثير من اتفاقية سايكس-بيكو سيئة الصيت”.

لاحظوا هذا الكلام كان قبل فترة طويلة، بحيث لم يفكر أحد وقتها بالتآمر الروسي الأمريكي لإعادة رسم خرائط المنطقة. ومن الواضح أن الشبيح القريب جداً من دوائر الاستخبارات السورية بحكم الحسب والنسب لعائلة علوية مهمة كان لديه معلومات حقيقية من دوائر السلطة، ولم يكن مجرد محلل للأحداث، فلا شك أنه سمع من علية القوم أن الروس بدأوا يفكرون مع الأمريكيين منذ بداية الثورة السورية بتقسيم البلاد. وأتذكر أنني سألته وقتها: “لماذا لم تتوقفوا عن التنسيق والتعاون مع الإيرانيين والروس إذا كنتم تشكون في مخططاتهم المستقبلية بخصوص سوريا”، فقال: “نحن مثل بالع الموس على الحدين. ليس لدينا أي خيار سوى الاستمرار في التنسيق مع الروس على مبدأ: مكره أخاك لا بطل”.

تذكرت كلام الشبيح السوري هذه الأيام، خاصة وأن الكثيرين بدأوا يتحدثون بإسهاب عن اتفاق “كيري-لافروف” الذي وصفه الشبيح قبل أكثر من عامين بأنه أخطر من سايكس-بيكو. ومن أولى علائم الاتفاق الأمريكي الروسي التصريح الخطير لنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قبل يومين فقط عن إمكانية تحويل سوريا إلى أسوأ انواع النماذج الفيدرالية القائمة على كانتونات طائفية وعرقية بغيضة، وليس على الطريقة السويسرية. ليس هناك أدنى شك بأن كلام ريابكوف ما هو إلا بداية الاتفاق الأمريكي الروسي لتقسيم سوريا وربما غيرها. والأخطر من ذلك أن السفير الروسي في الأمم المتحد تشوركين كان قبل أيام فقط انتقد الرئيس السوري لمجرد أن الأسد تعهد بإعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، فقد قال الأسد في لقاء مع نقابة المحامين السوريين إنه لن يرضى أبداً إلا بإعادة الهيمنة على كل المناطق السورية دون استثناء حتى لو تطلب الأمر وقتاً طويلاً. لكن الغريب في الموضوع أنه بدل أن تشد القيادة الروسية على يد الأسد، وتدعم تصريحاته الداعية إلى ضرورة إعادة كل الأجزاء الخارجة عن سلطة الدولة إلى سلطة الدولة، رأينا السفير الروسي يعتبر هذا الكلام نوعاً من الهراء، لا بل وجه تهديداً مبطناً للأسد بأن يكف عن هذه العنتريات كي لا يخسر الدعم الروسي. ماذا نفهم من الرفض الروسي لإعادة سيطرة النظام على كامل التراب السوري؟ نفهم شيئاً واحداً: أن الروس لا يريدون العودة إلى سوريا القديمة، بل يفكرون حسب اتفاق كيري-لافروف بإعادة تشكيل الخارطة السورية. وفعلاً لم ينتظر نائب وزير الخارجية الروسي طويلاً حتى أكد تلميحات السفير الروسي في الأمم المتحدة عندما قالها بالفم الملآن إن روسيا تفكر بتحويل سوريا إلى نظام اتحادي فيدرالي، وهي طبعاً كناية عن التقسيم.

مقالات ذات صلة

ولا ننسى الأخطر من كلام الروس الأخير أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال شيئاً مشابهاً تماماً قبل أيام أمام الكونغرس، فقد ذكر حرفياً أنه “من الصعب أن تبقى سوريا موحدة إذا استمر القتال، وأن لدى أمريكا خطة باء إذا فشلت الهدنة”. فهل جاء هذا التصريح عابراً، أم إنه ترجمة لاتفاق كيري مع لافروف الذي حدثنا عنه الشبيح “المطلع” قبل أكثر من سنتين؟

لقد نصح بشار الجعفري سفير بشار الأسد في الأمم المتحدة الأكراد الحالمين بالانفصال عن سوريا قبل أسابيع بأن يأخذوا حبة بنادول وينسوا حلم التقسيم. لكن روسيا، كما ذكرنا، أكدت بالأمس على أن سوريا قد تتقسم فيدرالياً. فلماذا لم ينصحها الجعفري بأن تنسى الموضوع، وتتناول حبة بنادول؟ أنا متأكد أن الروس سيطلبون من بشار الجعفري وبشار الأسد هذه المرة أن يأخذا تحميلة من صيدلية “البركة” تحديداً ويخرسا، هذا اللهم إذا لم يكن الأسد متواطئاً مع الروس والأمريكيين على تقسيم سوريا أصلاً، مع العلم أنني شخصياً أرى تقسيم سوريا مستحيلاً عملياً حتى لو تواطؤوا عليها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى