أين اختفى رجالات الدولة الاردنية ؟ / محمد يوسف الشديفات

أين اختفى رجالات الدولة الاردنية ؟

لا يكاد يمر الاردن بضائقة او محنة الا واستحضر الوجدان الشعبي رجالات حملوا الوطن على اكتافهم وعبروا معه وبه الى بر الأمان، كان لهؤلاء الرجال حضوراً بارزاً وبصمات واضحة شكلت التاريخ السياسي للدولة الاردنية، وصفي وحابس وهزاع وقائمة تطول من الأسماء التي حجزت لنفسها مكاناً مرموقاً في الذاكرة الوطنية، أولئك الذين لم يخذلوا الوطن، ولم يخذلوا قيادته التي اتكأت عليهم في أحلك الظروف، لا بل تجاوز دورهم حدود الوطن، فكان حضورهم عربياً ودولياً يشار إليه بالبنان، ويحسب لهم ألف حساب في غيابهم قبل حضورهم.

“رجل الدولة” الذي نبحث عنه اليوم ليس إنساناً عادياً، بل يجب ان يكون ذو شخصية قوية ومؤثرة، وقدرات استثنائية، وموهبة فذة، لديه القدرة على قراءة الواقع واستشراف المستقبل، دوره الوطني ليس محصوراً بأداء مهامه الوظيفية فقط، والأهم من ذلك كله وقوفه الدائم الى جانب الوطن قبل أي جانب آخر، كما ان تلوّن المشارب السياسية لرجالات الدولة، واختلاف الآراء فيما بينهم، لعب في السابق دوراً محورياً في إثراء القرار السياسي، وصقل الشخصية السياسية للدولة الاردنية، فكان حضورها قوياً ومؤثراً ومطلوباً في كافة المحافل.

نفتش اليوم في دفاتر الوطن عن رجالات الدولة، فلا نجد الا مجموعة من المسؤولين، تقاسموا المناصب الرسمية فيما بينهم على أسس مشوهة، كان أهمها قدرتهم على الانصياع الى القرارات الجاهزة والأوامر المباشرة و “البصم بالعشرة”، هم أقرب الى موظفي الحكومة منهم الى رجال الدولة، لا يملكون من أمرهم شيئاً إلا تسيير شؤون الدولة الروتينية، وهم أبعد ما يكونون عن المشاركة أو التأثير في صنع القرار السياسي، ولو أغمضت عينيك واستمعت إليهم وهم يتحدثون لحسبتهم شخصاً واحداً، تنتهي علاقتهم بالوطن بانتهاء علاقتهم بمراكز عملهم، فيعودون الى صفوف المعارضة العبثية، ويطاردون سراب الرجوع الى المنصب، او انتظار حدوث الخلل الذي يقنعون به انفسهم ومن حولهم بأن مغادرتهم لذلك الكرسي كان سبباً في قلب موازين الأمور.

مقالات ذات صلة

خلال العقد المنصرم ضاق “عقل الدولة المركزي” بمن يخالفه الرأي، ولذلك عمل على إقصاء كل من “سوّلت له نفسه” الاعتراض على النهج الجديد في إدارة الدولة، او حتى مناقشة القرارات السياسية الحاسمة، وبالأخص أولئك الذين سطع نجمهم بقوة، وارتفعت أسهمهم في البورصة الشعبية، ثم لجأ بعد ذلك الى تكريس الظهور المتفرد لجلالة الملك في كافة المجالات السياسية والأمنيّة والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا آثر معظم “رجال الدولة” اللوذ بالصمت، لأن طرح الآراء الخلافية سوف يُترجم الى انه مخالفة للرغبة الملكية، وتهديد لاستقرار الدولة الاردنية، ومن ثم انسحب هذا “التكتيك” على باقي مفاصل الدولة ومرافقها، وتم إفراغها من مهامها وأدوارها الحيوية.

الدور المنوط برجالات الدولة لا يقتصر على المشاركة في صنع القرار السياسي وحسب، بل يتعداه الى ان يكون حلقة وصل بين القيادة والشعب في كلا الاتجاهين، ينقلون هموم المواطن وتطلعاته الى مراكز صنع القرار، ويطفئون نيران الفتن أينما وجدت، فيرسخ لدى المواطن ان رأيه ذو قيمة وهو مأخوذ بالحسبان، وأن وجوده ليس فقط “رقماً وطنياً”، كما انهم (أي رجالات الدولة) يبعثون رسائل طمأنينة الى المواطنين بأن قيادتهم حاضرة بينهم، وبأن جميع أفراد هذا الوطن يتقاسمون المسؤولية الوطنية، وأنهم شركاء حقيقيون في المغنم والمغرم.

كلمات أخيرة نهمس بها في آذان رجالات الدولة، ونخصّ بالذكر أولئك الذين وصلوا الى “سن اليأس السياسي”؛ إن الوطن يمر اليوم بأزمات مركبة ومعقدة، وها هو يتعرض الى هجمات شرسة تستهدف مرتكزاته التاريخية، تُشن هذه الهجمات من قِبل “حلفاء وأصدقاء” الأمس، يرافقها توهان حكومي، وقرارات سياسية مبتورة، من هنا وجب عليكم الانحياز للوطن، وقول كلمة الحق التي تبرئون بها ذمتكم أمام الله، وأمام الناس، وأمام التاريخ الذي لن يرحمكم!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى