إيقاعات حزينة على قيثارة الحياة وعتبات الكينونة : على هامش نص (من أجل عينيك يا ضحى) لماجدة بني هاني

سواليف

فيما يلي مقالة الدكتور والروائي والناقد محمد حيدر… منشورة في صحيفة الفكر… وهي نقدية لمقالة من أجل عينيك يا ضحى ،التي سبق نشرها في سواليف بتاريخ 4/9.

إيقاعات حزينة على قيثارة الحياة وعتبات الكينونة

داء الغربة لا يقتصر على هجر الأوطان، بل يعصف بالكيان، وتكون مرارته كطعم الحنظل حين يعيش الإنسان غربة وسط أهله، فيظمأ إلى ابتسامة صادقة ولا يجدها، أو يبحث عن أطلال ابتسامة في أرشيف طفولته فتعز عليه، وإن عثر عليها تعثَّرَ في جفاء واقعِ مرير يسرقُها من بين شفتيه، أو يستجير بأحلامه فتنقلب مرثية لا تشفيه من جمراتها دموع أو بسمات…

لكن افتقاد قريب أو صديق قد تنتشل الإنسان من غربته ووحدته وعزلته، فيقبض على اللحظة اليتيمة، وتنهمر الكلمات ينبوعَ مودةٍ وشلال فرح يعزف على أوتار الأمومة بما تحمله من معاني الاحتضان والحضن الدافئ: “فكم أحتاج لأم بحجمك، تجمع شعري آخر النهار، وتروي لي حكاياها، ثم تغطيني وتسلمني للأحلام السعيدة”…

إنها الأمومة التي تتفجر عند أقدامها شلالات الفرح وعشق الحياة، فتشعرك بالانتماء للحياة:

“أتعتقدين يا ضحى، أني لا أعشق الفرح؟! لا وحق من سواك فأبدع، وجمل ورودك وأينع؛ ففي كل صباح لي جولة خلف جميل اللحظات، وغزوات وراء فاتنات الفراشات، أحاول جمع ما يمكنني جمعه في جعبتي… وحين أعود أكتشف أن ثمة ثقبا خفيا تتبخر من خلاله أحلامي، ولا أيأس؛ فأنا عنيدة أحب الحياة أعشقها جدا لو تعلمين!!”

إنها إشراقة سعادة مفتقدة، الباحثُ عنها كمن يبحث عن إبرة في أكوام التبن، ويبقى السببُ في غياب الشرفاء وجفاف ينابيع الصدق والحق والحب والوفاء:

“منذ صرخة الولادة وحتى هذه اللحظة، أفتش عن سطور السعادة فأجدها قليلة، قليلة كقلة الشرفاء في هذا الزمان. ضئيلة كضآلة البشر أمام الطغيان. باهتة، كما بهت لون الصدق، والحق والحب والوفاء، وكل المعاني الجميلة التي لوثتها يد الإنسان”…

إنها مرثية لكل معاني الإنسانية الآخذة في الانقراض؛ مرثية، وإن احتضنتها الكلماتُ بوحا على الصفحات، فإنها تظل محفوفة بالخجل من نتائجها:

“كنت فقط أخجل من البوح، أبث أفكاري، ومن بعدها أمزق أوراقي؛ لأنني أعرف: إذا بحت سيتزلزل عرش النساء من تحتي، وستحزن قلوب، وسيبكي صبية، وستصبح المسألة هي أن أكون أو لا أكون”.

سيدتي، لقد كان بوحُك إيقاعاتٍ حزينةً على قيثارة الحياة وعتبات الكينونة التي لن تتحقق إلا من خلال “قرن القول بالعمل” كما قلت… وقد جاء بوحك رقيقا وشفافا لامس سرده حدود القصيدة… وكل من قرأه بتمعن، لا شك سيعيد النظر في كثير من الأوهام التي غدت من “المسلمات” البئيسة الباعثة على الغثيان… فما الذي يبقى من كينونة الإنسان إذا انتحرت معاني الصدق والحق والحب والوفاء؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى