جاري السوري !! / علي الشريف

جاري السوري !!

. بالأمس كنت أقضي السهرة على الرصيف مع جاري السوري، وهو رجل طاعن بالسن يحمل في قلبه كثيرا من الشجون وفي عقله كثيرا من الحكايات . كعادة الناس في مثل هذه الأجواء ولأننا بلا شغلة ولا مشغلة تجاذبنا أطراف الحديث عن الأحوال الجوية ودرجات الحرارة المرتفعة وسط تنهيدات كانت تخرج من صدر الرجل أشد حرارة من الحالة الجوية وأكثر ألما من الغربة واللجوء ، وكلما نظرت إلى عينيه كنت أقرأ فيهما تعب السنوات وشقاء العمر الذي ذهب بلعبة أطفال
. جاري السوري ولنفترض أن اسمه أبو محمد كان يخرج التنهيدات وكأنه يستفزني للحديث عن سوريا وما حدث بعد غربة السنوات السبع ، وهل طاب به المقام ؟! وكلما زادت التنهيدات زاد شوقي لأن أفتح الحديث معه. قلت له: هل اشتقت لسوريا ؟! فأجابني بابتسامة مليئة بالتعب : وكيف لا اشتاق ؟!! أتمنى العودة ولكن متى وكيف وسط هذه الأجواء الدامية ، ثم أردف وقال: يا ليت أننا لم نخرج . شدني الحديث معه وقلت : لم خرجتم ؟! فقال لي : لقد صدقنا الأكذوبة التي كذبوها على الشعب الفلسطيني حين خرجوا على وعد أن يعودوا خلال إسبوع ، فاستمروا سبعين عاما ؛ ونحن خرجنا كي نعود بعد إسبوع وها نحن في العام السابع بلا نور في آخر النفق
. وأسهب أبو محمد :” ماذا فعلنا بانفسنا ؟! كنا أمة تحب الحياة جدا وشعب واع لكل شيء كان الماء مجانا والكهرباء مجانا وقوتنا يصلنا شهريا إلى البيوت زادت دخولنا ومعاشاتنا وكنا نزرع ونفلح ونرعى الغنم ونعمل في التجارة والصناعة، وكنا نعيش كما لم يعش أحد
. وحدثني عن السيران الإسبوعي الذي كان مقدسا عندهم ، وعن الساحات والحدائق والأماكن السياحية ، عن ماء الفيجة وبقين ودجلة والفرات ، وعن المازوت الذي كان يصلهم خلال الشتاء شبه مجاني. وقال : لم نكن نعرف شيعيا أو سنيا أو مسلما او مسيحيا ، كنا جميعا مثل الأهل حتى فرقونا.
وتنهد بصوت مرتفع وقال :” يلعن أبو الحرية !! لم يبق مجرما أو ارهابيا واحدا إلا ودخل بلادنا ولم يبق لصا إلا وتاجر بدمنا وسرق أحلامنا ، نحن ندفع ضريبة الحرية وأكذوبة الإسبوع. لم نكن نشكو الفقر ولم نشكو يوما الجوع
. يضيف أبو محمد : كانت أرضنا معطاءة خصبة فيها من كل الثمرات ،ويكفينا أننا كنا سادة أنفسنا رغم ……ولم يكمل وسكت”. حاولت أن أعيد إليه شيئا من الأمل وبما أني إنسان مثقف حسب ما أسمع ولا أدعي فقد قلت له : أنك الآن في بلد طيب أهله كرام طيبو المعشر يحبون بلدهم ويقتسمون دائما رغيفهم مع من يأتيهم وختمت له : إن شاء الله ستعود سوريا وتعودون. لست أدري كيف يتكرر التاريخ ويعود بعد سبعين عاما ليضرب بعد فلسطين سوريا ؟!وكيف هجر شعب بأكمله بعد أن خاف على عرضه وأطفاله؟ ! وكيف زرعوا فيه وهم العودة خلال اسبوع وأوهموه أن وطنه يتآمر عليه فطالت سنوات الانتظار؟! لست أدري لماذا نحن كشعوب لا نتعلم من الماضي ولا نحسن قراءة المستقبل ؟! ولا أعرف كيف ترسم لنا حكوماتنا المستقبل ؟! والى أي مدى تخطط.
حين سكت أبو محمد ولم يكمل حاولت أن أغير الموضوع وألف وأدور لأعرف ماذا كان يريد ان يقول ؟! كررت محاولاتي مرارا وتكرارا حتى وصلت من فحو كلامه أنه على امتداد التاريخ لم يكن هناك ثورة بسبب الجوع إنما كانت الثورات تقوم بسبب الظلم والقبضات الامنية التي تخنق كل شيء وما أدل على ذلك الا ليبيا التي كان المواطن فيها يحصل لبن العصفور قامت ثورتها بسبب الظلم. والقبضة الأمنية التي كان يحكم بها القذافي.
كذلك مصر أيام مبارك وما يحصل الآن وتونس الخضراء لم تثر لأن البوعزيزي أحرق نفسه بل لان الشعب شعر بالظلم فالجوع لا يقيم ثورة إلا إذا كان مترافقا مع الظلم. هذه هي حكاية العرب فسروها كيفما شئتم فالقادم أسوأ بكثير من الماضي وشكرا جاري السوري.!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى