كشف الزيف

#كشف_الزيف
د. هاشم غرايبه

تكشف وسائل التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، عن مكنونات النفوس وما تخفيه الصدور، فبتنا نشاهد كثيرا من المنشورات التي تتغنى بقوميات مندثرة، مثل السريانية والأشورية والكلدانية والفينيقية والفرعونية..الخ، من التي كانت قائمة في ديار الأمة قبل أن يمن عليها بهديها الى منهجه، ومحاولات أصوات مشبوهة لإعادتنا الى ما قبل ظهور #الإسلام، خرجت من جحورها اعتقادا منها أن الحرب على الإسلام قد أوهنته، وأنها أصبحت بمأمن، فلا تحاسب على فحيحها المسموم.
الإعتزاز بالأجداد حق طبيعي للإنسان، ولا أحد يطالب من ينتمي الى هوية فرعية أن يذوب في الهوية الجامعة، لكن لا يجوز إعادة الزمن الى الخلف، واستبدال التشرذم والتنازع بالوحدة، والتخلي عن العزة والسؤدد التي تحققت بفضل توحيد الأمة، بحنين مريض الى أيام درست وانتهت.
السريانية والأشورية والسومرية و..و ..وما الى ذلك من هويات منتمية الى أمم دارسة، تمثل مراحل تاريخية مرت بها هذه المنطقة العربية تاريخيا، من ضمن أطوار وتعاقبات كثيرة، لكنها كانت كلها تقاتل وتنازع بين الزعامات، ولم تحقق استقرارا مستداما، ولا تعني انجازات واختراعات تحققت في أية مرحلة أنها حققت نهضة حضارية شمولية، والسبب أنها لم تكن مترافقة مع اتباع منهج فكري جامع، ينتج نظاما سياسيا ضابطا لحركة المجتمع.
لهذا السبب ظلت الأمة بمختلف مناطقها ضعيفة المقاومة تجاه الإمبراطوريات الخارجية الطامعة، فأصبحت مجاميع سكانية تابعة لهم ومرتهنة لتنفيذ املاءاتهم.
هكذا فهذا التاريخ الذي يعتزون به لم يكن مشرفا، ولم يحقق للفرد تطلعاته.
عندما جاء عرب الجزيرة الى العرب القاطنين خارجها حاملين منهجا راقيا لم تعرف له البشرية مثيلا، كانوا فاتحين لهذه البلاد وليسوا غزاة، بدليل أن كل من يدخل في الدين من الأقطار المفتوحة، ينال حقوقا مساوية لمن جاء به هاديا.
لذلك دخل هؤلاء في الدين أفواجا عن قناعة، وتركوا العقيدة النصرانية التي كانوا عليها، فنال الغساسنة الذين يقطنون الشام التحرر من العبودية للرومان، لأنهم رغم أن عقيدتهم كانت نصرانية كما الرومان، إلا أنهم لم يشعروا يوما أنهم إخوان في العقيدة مثلهم، بل ظلت العلاقة: سادة وعبيد، لذلك اعتبروا دخولهم الإسلام تحررا.
ومثلهم مناذرة العراق المستعبدين للفرس، وأقباط مصر المستعبدين للرومان، وباقي الأقوام المستضعفة.
طالما الأمر كذلك فلماذا الاستنجاد بالهويات المنقرضة، والتي لا تعني لنا أية أمجاد وعزة، بل هي عبودية واستغلال!؟.
لو تتبعنا توجهات أصحاب هذه الدعوات، لوجدناهم جميعا يشتركون في صفة واحدة وهي العداء لمنهج الله.
ولما كانوا عدديا أقلية ضئيلة وسط محيط هائل من أتباع منهج الله، وفكريا لا يملكون قاعدة لمنهج مقنع بديل يتغنون به أو يدعون لاتباعه، لذلك يجْبُنون عن إظهار عدائهم الصريح، فيلجأون الى الحفر تحت الأسس المتينة لمنهج الله آملين أن ذلك سيؤدي الى انهياره، لكنهم كلما تصدى لهم المنتمون لهذه الأمة المخلصون لمنهجها، عادوا الى جحورهم يرتعدون، بانتظار فرصة أخرى.
العنعنات القومية هي من أكثر أسباب هلاك الأمم وذهاب ريحهم، والشوفينية (التعصب القومي) هي العامل الأكبر في نشوء النزاعات البشرية، لذلك جاء منهج الله بخير وصفة دارئة لتلك الأخطار، وهي ترتكز على مبدأ أن أصل البشر جد واحد هو آدم، لذلك فلا يفضل قوم قوما آخرين الا بمقدار صلاحهم وتقواهم المؤدي الى نفع الآخرين وليس استغلالهم، وما جعل الله الناس أقواما وشعوبا إلا من أجل التعددية النافعة، فتتحقق الخيرية لهم جميعا عندما يتبعون منهج الله، لأن العلاقة إذذاك تكون مبنية على التعارف وتبادل الخبرات، والتعاون على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان وتكوين أحلاف عسكرية تحقق الغلبة لاستلاب حقوق المستضعفين: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” [الحجرات:13].
لذلك تاريخيا، ظل المستعمرون الأوروبيون الطامعون بنهب خيرات الآخرين، يأملون بدحض منهج الله، لأنه يحمي المستضعفين في الأرض من ظلمهم.
والمتمسكون بالانتماءات البائدة اعتقادا أنها ستعيد لهم امجادا أفِلت بلا رجعة، هم حاقدون على هذه الأمة على مدى العصور، لأنها حملت راية الإسلام فتجاوزت به كل العنعنات القومية العفنة.
لذلك فادعاءهم بالوطنية وحب الوطن زائف، بل هم خير عون لأولئك المستعمرين الطامعين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى