متى نصحو ؟!!! / د. محمد يوسف المومني

متى نصحو ؟!!!
كان هناك بعضُ الصبية يتسللون إلى قنِّ الدجاجة كلَّ صباح ويسرقون منها بيض فتثور الدجاجات المسروق بيضها ولا تهدأ إلا بعد أن يضعوا لها بصلةً بيضاء بدلاً عن بيضتها الحقيقية فتهدأ الدجاجات وتحتضنها , وباقي نزلاء القن من الدجاج وممن يعدون انفسهم ديوك بين راثٍ ومتعاطف ولائم… كان هناك رجلٍ لماح … لاحظَ المشهدَ فكتبَ رسالة لأحد أصحابه جاء فيها : نحن أمَّةٌ نائمةٌ على بصلها …
نامي جياع الشعب نامي … حرستك آلهة الطعام
فإن لم تشبعي من يقظة ….. فمن المنام .. نامي
هذين البيتين من قصيدة لشاعر العرب الأكبر الأستاذ الراحل محمد مهدي الجواهري وهو يسخر ويتهكم من النائمين – غير الواعين – الذين يغطون في سبات عميق بانتظار المعجزات … عسى أن تتحقق أحلامهم الوردية … في عيش كريم ومستقبل أفضل … لكن ما الذي تحقق لأهل الكهف من سباتهم الطويل ؟ عندما هربوا من ظلم وجور وطغيان الملك – دقيانوس – فهل أن الاردنيين في سباتهم هذا يمكن أن يحققوا أو أن يتحقق لهم – بقدرة قادر – ما يصبون إليه من عيش كريم – آمن مستقر – ومستقبل أفضل لبلادهم ولأبناءهم من الأجيال اللاحقة ، أم أن سباتهم هذا يزيدهم فقرا وبؤسا وجوعا ومظلومية وامتهان لكراماتهم ، إذ ليس هناك من معجزات لقوى خفية أو – غيبية – كما تروي الأساطير بقادرة على إصلاح وتغيير واقع الحال المأساوي المزري – للاردنيين – الذي أقل ما يمكن وصفه – غير لائق بالحياة الآدمية – وأكثر من ذالك امتهان لآدميته وإنسانيته .
كل الثورات و المتغيرات والتطورات في كل المجتمعات في العالم تتأتى من العمل الذي يستند إلى الوعي والحركة ووحدة الإرادة والموقف… في حركة شعبية واسعة من تظاهرات واحتجاجات سلمية ومتواصلة – لا موسمية – للمطالبة بحقوقهم العادلة والمشروعة خصوصا ، ونحن اليوم نعيش القرن الحادي والعشرين ، عصر التطور العلمي والتكنولوجي عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان عصر نهاية الأنظمة الديكتاتورية الشمولية – القمعية – فلقد ولى طواغيت العصر الدمويين – ابن علي – ومبارك – والقذافي – وصالح – ويأتي دور الأسد – اليوم – عصر بات فيه الإنسان هو الذي يقرر مستقبله بوعيه وبإرادته الحرة وبقناعاته باختيار من يمثل مصالحه في بناء مستقبل بلاده الأفضل .
ان وعي المجتمع الاردني يجب ان يكون في اختياره الصحيح لممثليه الحقيقيين والمتنورين المدركين لطبيعة العصر ومستجداته وتطوره لبناء مستقبل أفضل لبلادهم بعيدا عن المحاصصة والمناطقية والعشيرة والحزبية الوصولية ..عليكم ايها الاردنيون ان تفيقوا من سباتكم وتستيقظوا لتدركوا بأن المتسترين خلف الدين والعشائرية والاحزاب المتخلفة والمناطقية والنقابات , لم تكن اهدافهم ولا تطلعاتهم ولا برامجهم ان وجدت هي الحل لمعاناتكم ومشكلاتكم ، ولن تعيد لكم ثرواتكم المنهوبة.. كما لن تقضي على البطالة ولن تحسن مستواكم ألمعاشي أو أن تعيد لكم استقرار الوضع الأمني أو أعمار البلاد ، كل هذا لن يتحقق إلا بالعمل والنضال والتضحية ، والحقيقة فإن مثل هذا الوعي والحس الوطني- كما نرى – هو الكفيل بتجاوز كل الصعوبات والأزمات والخلافات التي قد تنشأ مستقبلا بين القوى المشاركة في عملية الإصلاح والتغيير في الاردن… كونها تنطلق من مبدأ المواطنة الحقيقية البعيدة عن الهويات الفرعية عشائرية او مناطقية او حزبية فأين هي الديمقراطية ؟ ديمقراطيتهم تتجلى في المحاصصة المقيتة والعشائرية التي غيب عنها رجالاتها الاشراف .. والحزبية المتخلفة وتغليبها على الحس الوطني ، حتى قتلت الوعي والحس الوطني لدى الاردنيين ، وتعمقت النعرات والاقصاء وباتت الوظائف العليا محصورة بفئة معينة ممن تربطهم صلات بمافيات السياسة والاقتصاد والفساد .. تلك هي ديمقراطيتهم ، ولسنا هنا من حاجة لتعداد كل منجزات حكومات الرفع ونهب المواطن ومجالس النوائب التي ابتلينا بها .. فهي كثيرة ولا تحصى إبتداءا من استشراء الفوضى والفساد بكل أشكاله وفي كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وتزوير الشهادات والمحسوبية والمنسوبية إلى جرائم الاختلاس والسرقة لأموال الشعب المسكين الذي منحهم ثقته ودفع بهم إلى مواقع المسؤولية ، لكنهم لم يبرروا ثقة الشعب بل أنهم – ونقولها بكل صراحة – أنهم خانوا الشعب لان هذه الاختلاسات والسرقات – بالملايين والعقود والمشاريع الوهمية – هي ليست جرائم عادية بسيطة ، خصوصا وإن الاردنيون لم يلمسوا أو يشاهدوا محاسبة أو محاكمة أي من هؤلاء المختلسين والسراق ، بل تم ترقيتهم او ترقية ابنائهم وبناتهم الى وظائف اعلى .. الشعب الجائع الذي تطحنه البطالة خصوصاً بين الشباب والخريجين المتسكعين الباحثين عن فرصة عمل يعتاشوا بها والشعب يتلظى بحرارة الصيف وبرودة الشتاء رغم الملايين المسروقة والتي ذهبت في جيوب أولائك المختلسين والسراق أو مشاريع سكن وهمية ابتزوا منها آلاف الملايين والفقراء الكادحين يسكنون في بيوت الصفيح أو الطين كل هذا الواقع المأساوي ، ولم تصحوا ضمائر المتنفذين ، فلا زالت صراعاتهم محتدمة على الجاه والمال والنفوذ والسلطة دون أن يفكروا لحظة واحدة بمعانات شعبهم والتخفيف من معاناته القاسية المريرة ولا زالت الفضائح تتوالى بشكل يومي…
فهل بعد كل هذا … ثمة أمل في التغيير وإصلاح الأوضاع ؟ والعودة بالبلاد إلى شاطيء الأمن والأمان والعيش الكريم … لقد سئم الاردنيون الوعود الكاذبة على مدى عشر سنوات … فليس من معجزة لقوى – غيبية – يمكن أن تحقق لكم ما تصبوا إليه أيها الاردنيون ، والمعجزة الفعلية التي يمكن أن تحقق للاردنيون إلى ما يطمحون له من حياة رغيدة وأمن واستقرار هم وحدهم القادرون على صنعها فالشعوب هي صانعة المعجزات ، من خلال الوعي ووحدة الإرادة والموقف في التحرك السلمي المتواصل بهدف الضغط على المتنفذيين وإجبارهم في الذهاب إلى أحد الخيارين ، إما الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني الشامل بنبذ كل الخلافات الثانوية والمصالح الشخصية والتخلي عن المحاصصة بكافة اشكالها فكرا ونهجا وسلوكا ، وإما الذهاب إلى انتخابات مبكرة ضمن قانون انتخاب عصري لا يكون فيه مكان للفاسدين .. فهو الاختيار الأفضل والأسلم … ليتسنى للشعب اختيار ممثليه الأكثر كفاءة ونزاهة وإخلاصا وتأريخا … لإنقاذ شعبنا وبلادنا من مخاطر الوقوع في الهاوية … والتوجه لبناء دولة المواطنة الحقيقية الديمقراطية القائمة على مؤسسات مدنية دستورية ويكون لمنظمات المجتمع المدني دورها الفاعل ، والفصل بين السلطات الثلاث بحيث لا تتغول سلطة على اخرى ولا تبتز سلطة .. سلطة اخرى, وان يسود العدل كافة مؤسسات الدولة وهذا كله لا يتأتى بالنوم انما بالعمل والثورة على الواقع المزري … ثورة سلمية .. ثور بيضاء .. على جميع مفاصل الفساد واشكالها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى