وزارة السياحة .. والتفاتة إلى جنان الأردن / المحامي عبد الرؤوف التل

السياحة صناعة، ومن يتقن فن هذه الصناعة يساهم في خلق تنمية اقتصادية فعلية للدولة، ويخلق فرص عمل كثيرة للعمل في المرافق السياحية، وكذلك الذي لا يتقن فن صناعة السياحة يساهم في وقف عملية التنمية الاقتصادية، ويساعد في انتشار البطالة.

ووجود وزارة السياحة، ووجود هيئة تنشيط السياحية لا يعني حركة سياحية نشطة بل كثيرا ما تعيق هذه المؤسسات تنشيط صناعة السياحة بالبيروقراطية والروتين القاتل، وربما وجود بعض العاملين في هذه المؤسسات لتحقيق منافع خاصة لهم وربما لا يعرفون شيئا عن فن صناعة السياحة، ولا عن دورها في تفعيل وتنشيط عملية الاقتصاد وأجزم أن كثيرين من موظفي المؤسسات السياحية، لا يعرفون شيئا عن المناطق السياحية المنتشرة في الأردن شماله وجنوبه، وفي شرقه وغربه.

حقيقة أن الأردن بتاريخه وجغرافيته جاذب للسياحة على نطاق واسع إذا أحسن تسويقه في العالم، وإذا تم تنشيط السياحة الداخلية بين المدن الأردنية، إذ تمتاز كل مدينة بخصائص تاريخية وجغرافية تختلف عن الأخرى، وكل منطقة في الأردن بها معالم وإنشاءات تاريخية تعود لقرون عديدة، وحضارات متنوعة.
وأرض الأردن بما فيها من جمال طبيعي أخاذ كانت توصف بالجنان ذات الحدائق والأنهار، وينابيع الماء العذبة والمياه المعدنية الحارة وقديما أيضا قال عمر بن هشام الملقب بأبي جهل عند البعثة النبوية كل من يؤمن بالإسلام ديناً صبئ أي تبع محمدا صلى الله عليه وسلم الذي يعدكم بجنة كجنان الأردن، هذه المقولة تؤكد أن في الأردن طبيعة أخاذة تجذب إليها من يريدون راحة البال والتمتع بجمال الطبيعة، كان العرب الغساسنة وخلفاء بني أمية يقضون أوقاتا للراحة والاستجمام في ربوع الأردن ، ويتمتعون بجمال الجبال الشاهقة والوديان السحيقة والسهول الواسعة الخضراء على مد البصر، تزينها ورود وأزهار تخلب الألباب، بألوانها الزاهية ـ ورائحتها الجميلة، ومذاق زعترها ومرارها وشومرها الفاتح للشهية.
خراج الأردن
الأردن سخي ومعطاء، تنبت فيه من الثمرات ما لذ وطاب وفي دولة بني أمية كانت جنان الأردن متنوعة الثمار، ويسكنها شعب انتمى للإسلام دينا وحضارة، وقد جاء في كتاب الأحكام السلطانية للإمام الماوردي، الذي هو أصل الفكر السياسي الإسلامي التنويري، الذي يعمل لصالح الناس ويتبع مصالحهم في كل مجال، جاء في الكتاب أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أمر سليمان بن سعد ان ينقل الديوان إلى العربية من الرومية وطلب منه أن يعينه على ذلك بخراج الأردن لمدة عام، وكان خراج الأردن يقدر في ذلك الوقت بمبلغ 180ألف دينار، إذ تم تعريب الديوان إلى العربية خلال سنة بفضل خراج الأردن، ومعروف أن الديوان في دولة أمية كان يكتب بالرومية بواسطة كتاب رومان، وسبب نقل الديوان للعربية ان كاتب الخليفة بوّل بدواة الحبر، فعرف الخليفة بالأمر فقرر الاستغناء عن اللغة الرومية بالعربية والاستغناء عن كتابهم بعرب، وبعد تعريب الديوان عرضه الخليفة على (سرجون) كبير كتاب الرومية في ديوان الخليفة فغضب سرجون وخرج كئيبا فلقيه قوم من كتاب الروم فقال لهم اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم.

ولأن خراج جنان الأردن حضاريا، لأن الدواوين عربت من الرومية إلى العربية بامواله لتأصيل الحضارة الإسلامية فانه يوجد شمال اربد بلدة تسمى “خرجة” قريبة من نهر الأردن هي روضة من رياض جنان الأردن، وفي الغرب من اربد توجد بلدة تسمى الخراج تطل على نهر الأردن ذات جنان وكروم وجمال يسحر الألباب.
صراع الأسود

مقالات ذات صلة

المتنبي شاعر العرب العملاق عبر العصور، حل ضيفا على بدر بن عمار الذي كان قائدا وواليا لطبريا مركز جند الأردن على ضفتي النهر الخالد، حيث كانت الغابات الكثيفة تغطي مساحات واسعة من ضفتي النهر، وكانت الأسود تكثر في هذه الغابات، وتخيف الناس وترعبهم وتمنع حركتهم بالتنقل بين البلدات الواقعة على ضفاف النهر، فقرر بدر بن عمار ان يتصدى لهذه الأسود، والمتنبي في ضيافته وبالفعل خرج ذات يوم حاملا سيفه وسوطه يرقب الأسد الهصور حتى إذا شاهده تصدى له بشجاعة، جعلت الأسد يرتجف من مشاهدة بطل قلبه أصلب من الصوان، وعزمه يفل الحديد، فبرز للأسد بسوطه فأوسعه ضربا حتى قتله، والدم يعفر كل جسم الأسد فما كان من المتنبي إلا أن أكبر شجاعة بدر بن عمار في قصيدة من أبلغ ما جادت به قرائح شعر العرب حيث قال:
أمعفر الليث الهزير بسوطه
لمن ادخرت الصارم المصقولا
وقعت على الأردن منه بلية
نضت بها هام الرفاق تلولا
ورد اذا ورد البحيرة شاربا
ورد الفرات زئيره والنيلا

أبيات شعر غاية في الروعة والبلاغة فهذا الأسد وهو يصنع من رؤوس الناس تلالا، واذا ورد بحيرة طبريا يرتوي بالماء زئر زئيرا سمعه من هو على نهر الفرات في العراق ومن هو على نهر النيل في مصر.

هذه لوحة تاريخية تبين عظمة جغرافية الأردن والناس الذين عاشوا على ضفتيه وكان الإيمان بالإسلام قوة لهم، والعروبة صفة تميزهم بلغتها الشاعرة العذبة والفنون الرائعة التي ابتكرها الشعب العربي والذي عاش على ضفتي النهر الخالد.
يونان ورومان
أرض الأردن عرفت حضارات متعددة ، فالاغريق جاؤوا إلى أرضنا وشيدوا معالم ما زالت ماثلة حتى الآن، فيها مسارح ومعابد وآثار عديدة تؤكد أن شعوب هذه الأرض كانت على قدر كبير من العلم والثقافة والذوق الرفيع.

والرومان من عاشوا على أرضنا بضعة قرون كغزاة استعبدوا الناس وجاء الإسلام وحرر هذه الأرض وشعوبها من طغيانهم وجبروتهم ، وشيد الرومان خلال فترة استعمارهم آثارا كثيرة وعديدة ومدنا ما زالت ماثلة حتى الآن، وتركوا مسارح ومعابد وشوارع مليئة بالأعمدة ، إن الأردن أرض تمور فيها الحياة من آلاف عديدة من السنين كان الشعب يتذوق الأدب والفن والشعر.

إن من يشاهد المسارح القديمة في عمان وجرش وبيت رأس وأم قيس، يحق له أن يسأل كم من ملايين البشر كان يعيش على هذه الأرض، كم من كتاب المسرح كانوا يكتبون المسرحيات المختلف أشكالها، ليشاهدها الناس، كم هي أعداد الجماهير التي تأتي من المناطق القريبة من المسارح لمشاهدة المسرحيات، وكم كان أعداد الممثلين والممثلات الذين يتحفون النظارة بتمثيلهم الرائع.
(أين السياحة … والسواح… )

ان أرض جنان الأردن جاذبة للسياحة لما فيها من طبيعة خلابة متنوعة ربيعها ساحر فتان، تضحك فيه الجبال والوديان والسهول بجمال أزهارها وورودها.
وآثارها الضاربة في عمق الزمن شاهد على أن الأرض الحية تجذب إليها البشر، من أجل راحة البال والتمتع بجمال الطبيعة وسحرها.
في جنان الأردن مياه عذبة، نهر اليرموك وضفافه التي تغطيها الأشجار والغابات وما فيها من طيور وحيوانات أليفة وغير أليفة، ونهر الأردن على الضفة الشرقية السلة الغذائية التي يجب أن نحافظ عليها .

وفي جنان الأردن مياه معدنية، تختلف درجة الحرارة من نبع إلى نبع وكانت الحمة التي دمرتها البيروقراطية منذ سنين عديدة حيث كان يزور هذه الحمة الأردنية عشرات الآلاف من داخل الأردن وسوريا ولبنان وسائر الدول العربية، ولو ترك أمر إدارة الحمة الأردنية لأهلها لطوروها وحسنوا كثيرا من وضعها.
حتى نُنشّط السياحة ونرى سواحاً، لا بد من وضع خطة جديدة لجذب أنظار السواح إلى ما في الأردن من تاريخ يعود إلى آلاف السنين، ومن جمال طبيعي ساحر وآثار للأمم الغابرة التي ذهبت وبقيت آثارهم، وأول عمل يجب ان يتم لتنشيط السياحة هو تنشيط السياحة الداخلية على نطاق واسع؛ لأن تنشيط السياحة الداخلية ينشط السياحة الخارجية على نطاق واسع، يقال إن السياحة صناعة وإدارة ولا بد من إيجاد صناع مهرة وإدارة سليمة لتنشيط الاستثمار في السياحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى