تجّار الكورونا

تجّار الكورونا
أ. د أحمد العجلوني
أكاديمي وخبير اقتصادي

كما أن الكورونا شكّلت جائحة لم تشهدها البشرية طالت عشرات الملايين في صحتهم وطالت أغلب دول العالم في اقتصاداتها وأنهكت أنظمتها الصحية وقلبت الحياة الاجتماعية وطرق التواصل رأساً على عقب، فإنها مثّلت كذلك فرصة سانحة اقتنصها الكثيرون بالإفادة منها وتعظيم مكاسبهم من معاناة البشر بشكل لا يمكن مقارنته إلا بتجار الحروب والأزمات الذين يمثلّون أخّس أنواع البشر. ومن المؤكد بأن المقصود ليس من استفاد تلقائياً بازدهار أعماله مثل شركات الاتصال أو شركات البيع عن طريق الانترنت وغيرهم. بل إن المقصود بالدرجة الأولى أولئك الذين احتكروا السلع الضرورية مثل العلاجات والمطهّرات والكمامات بداية الأزمة وأثروا من وراءها. ثم من استغل معاناة البشرية إما بتعميقها أو بإطالة أمدها سعياً وراء المكسب الماديّ سواء في الجانب الصحي أو من خلال استغلال ظروف الناس كتلك الشركات التي علّقت فشلها على شمّاعة الكورونا وقامت بطرد الموظفين أو تخفيض أجورهم.
إن الساعين وراء المكسب الماديّ هم أقرب الأمثلة لتشبيه تجار الكورونا بتجار الحروب والأزمات، وهؤلاء في غالبهم من الأفراد والشركات، ولكن هذا لا يمنع –ولو بشكل نادر- وجود حكومات استغلت مواطنيها أو شريحة منهم بأبشع الصور لتحقيق مكاسب مادية مباشرة أو غير مباشرة لها ولمن يدور في فلكها من شركات طيران أو مستشفيات وفنادق وغيرها. ومن المثير للأسى البالغ أن تتصدر هذه الحكومة واجهة الذاكرة عند استحضار الأمثلة على تلك الحكومات.
ولا تتوقف المكاسب التي يسعى إليها تجار الكورونا عند المكسب المادي فقط، بل تتعداه إلى المتشبثين بالمنصب الذين احتكروا الوطن ومقدّراته وتصرفوا كأنه مزرعة خاصة لهم، حيث أن هناك مسؤولون يعتقدون بأن استمرار وجودهم في سدة السلطة مرهون باستمرار الأزمة، وان شعبيتهم تزداد باستعراضاتهم الإعلامية الجوفاء، والاستمرار برفع سيف الرهبة في وجوه الناس وتضخيم الأمور حتى يبقى الناس محكومون بالخوف، في حين أن معاناة مئات الآلاف المادية والمعنوية لا تعدو كونها “تفاصيل غير مهمة” في حساباتهم الضيّقة. فلماذا الإصرار -مثلاً- على الإعلان عن العدد التراكمي للمصابين في حين أن عدد الموجودين على أسرّة الشفاء لا يتجاوز 30 شخصاً؟! ولماذا الإصرار على استمرار الأعداد الصفرية ولمدة طويلة لحالات الإصابة حتى يخففوا وطأة قراراتهم العشوائية؛ ومن أين ابتدعت هذه البدعة؟
وغير هؤلاء من منتحلي الألقاب العلمية الزائفة والمدمنون على الشهرة وحب الظهور بمناسبة وبغير مناسبة، فقد ابتلينا بجهلهم وسطحيتهم؛ إذ أنهم فرضوا أنفسهم على الناس بقوة المال، ولا تكاد تجد وسيلة إعلام إلا وقد اقتحموها، إذ كانت الأزمة مرتعاً خصباً لتخرّصاتهم وتنجيماتهم واستمرار كذبهم دون خجل أو احترام لعقول الناس.
وكما أن التاريخ سيكتب بماء الذهب على صفحاته الناصعة تضحيات ونبل الكثيرين من كوادر القطاع الصحي ومن رجال الأمن وغيرهم فإنه سيذكر في أيضاً أولئك الذين ركبوا الموجة ووجهوا أشرعة الجشع والاستغلال مع رياح حاجة الناس إلى جيوبهم وكروشهم المتخمة بالحرام. فلا بارك الله فيهم ولا بما يأكلون من السحت، ولا بارك لأصحاب المناصب الذين يستطيلون الأيام في المنصب من شقاء الناس ومعاناتهم.

حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى