عربٌ وضاعوا
قبل ما يُقارب مئة عام من الآن ، قالوا لنا سنرصّ الصُفوف ونعقد النوايا ونضع الخطط والاستراتيجيات ونعجّ السماء ضباباً لنقف على
نواصي العرب ، ونحن نقول : لن يفعلوا شيء !
نصبوا خيام اللّاجئين ، هاجموا الدّين ، قسّموا
الأوطان وجيّشوا الجيوش ، غيّبوا الشيوخ والوعّاظ وأهل الذكر وأهل الفكر ، نمّطوا الزعماء وصغّروا الحيّز والفراغ ، عقّموا الأفكار حتى لم تعد تتناسل وتتوالد ، ونحن نقول لن يفعلوا شيْء.
بل فعلوا كلّ شيء ، لم نكُن يوماً نملك النعرات لم نحمل الجوازات ، لم يحتاج يوما جدّي لتأشيرة حتى يتذوّق عنب الخليل او تمور الفلوجة، ولم تكُن جدتي تواجه صعوبة اليوم للحصول على حفنةٍ من تراب اربد الحمراء حتى تزرع زيتونها الأخضر التونسي في سهول الجليل الأعلى ، حافلات بغداد لا تزال تحملُ عرقَ المصريّين بين طيّات مقاعدها ، ولا يزالُ ركام الغبارِ على مطابع بيروت شاهدا حيّا على خيبتنا .
هدموا اسوار عكّا ، والقاهرة لم تعد قاهرة ، اختلط النفطُ بالدماء في ليبيا ، عمّان مسجونة على الخريطة ، ذبلت أشجار تونس ، والدار البيضاء أصبحت داكنة ، مآذن بغداد مزقتها الطائفية ، وقلاع دمشق ذابت ولم تعُد مساجدها صالحة للصلاة، وصنعاء أصبحت حزينة ، لبنان تزداد تعريّاً ، الجزائر لم يضف على المليون ، شهيداً أخراً كأنّه اكتفى ، السودان لم تعد تزرع والخليج أصبح أعمى من كهوف الليل ، ولم يعد يجمعنا سوى ثمانٍ وعشرون حرفاً .
قسّموا المقسّم وجزّئوا المجزّئ ، واعتلوا المنابر ورخّصوا الدماء وعاثوا بالعقول فساداً،
حدث كلّ ما قالوا لنا عنه انه سيحدث ، كنّا على الموعد تأقلمنا تعايشنا ورضينا ووافقنا وصرنا ننادي بالحروب وبالانفصال وبالطائفيّة والعنصريّة بكلّ وقاحة وبذائة كأنّها فطرة أو جين في الشيفرة الوراثية ولازلنا نلقي اللوم على العرب ، ونتغنى بالعرب ونناشد بالعرب !
أيّ عرب بربكم ! عرب وضاعوا .
#اياد_بشير✏️