قمة ترامب-كيم: مخرج للأزمة أم مناورة أميركية جديدة؟

سواليف
باغت الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجميع في واشنطن، ومنهم بعض أركان الإدارة، بقبوله عقد قمة في مايو/أيار المقبل، مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون. تطور كان خارج التصور، بعد تبادل التهديدات بالحرب والإهانات والتهكمات بينهما. حتى مجرد فتح حوار بين الجانبين كان من الطموحات البعيدة.

ولهذه الأسباب كان للإعلان عن القمة وقع المفاجأة الصادمة، التي أثارت من الارتياح بقدر ما أثارت من الارتياب، ولو أنّ كفة الثاني راجحة أكثر. الارتياح لأنّ في مثل هذا اللقاء عودة عن حافة حرب كان يمكن أن تتحوّل إلى مواجهة نووية. أما الارتياب فلأن الانعطافة الحادة التي جرت وبدون مقدمات ولا حتى مشاورات داخل الإدارة الأميركية، بدت أقرب إلى الخطوة المفخخة أو إلى المناورة التي توسّلت القمة، لخدمة حسابات وأغراض أخرى للجانبين.

من البداية، شطب ترامب الخيار الدبلوماسي في الأزمة مع كوريا الشمالية، لصالح الخيار العسكري. توعّد بيونغ يانغ “بالتدمير الشامل”. نصح وزير خارجيته ريكس تيلرسون بـ”ألا يضيّع وقته” في البحث عن مخارج سلمية، يوم كان تيلرسون في بكين، يطلب مساعدتها لتفكيك الأزمة، والحيلولة دون تفاقمها وانزلاقها إلى صدام عسكري.

ربط أي تسوية أو حوار مع نظام كيم جونغ أون، بموافقة هذا الأخير مسبقاً، على أن يكون هدف التفاوض هو وقف كوريا الشمالية لمشروعها النووي في النهاية. وبقي هذا الخطاب على حاله، حيث قال تيلرسون، خلال زيارته لإثيوبيا أمس الخميس، إنّه حتى الحديث عن حوار مع كوريا الشمالية “غير وارد في الوقت الراهن”.

على الرغم من ذلك، رأت بعض الأوساط، أنّ الموافقة على القمة “تقدم فرصة” على حد تعبير النائب والدبلوماسي وحاكم ولاية نيو مكسيكو السابق بيل ريدشاردسون. في اعتقاد أصحاب هذا التفسير، أنّ العقوبات على كوريا الشمالية ساهمت في زحزحة زعيمها، وحملته على فتح كوة في جدار الأزمة، من خلال تقاربه مع كوريا الجنوبية، مؤخراً، ومشاركته في الألعاب الأولمبية الشتوية على أرض هذه الأخيرة.

ويزعم أنصار ترامب أنّ تشدّده ولغته الصارمة، لعبت دورها هي الأخرى في الحلحلة التي أدت إلى القمة، وما قد تقود إليه من انفراج، أو على الأقل، إلى الابتعاد عن سيناريو الحرب.

لكن الموافقة الغريبة، وبهذه السرعة على القمة، وانفراد ترامب في البت بأمرها، عزّزت الشكوك وأثارت مخاوف مشروعة. فالبيت الأبيض المقتنع بأنّ التسوية مع كوريا الشمالية، غير متوفرة شروطها، ربما يكون لجأ إلى هذه المناورة ليحوّل الأضواء عن مشكلاته المتزايدة، الشخصية منها وتلك المتعلّقة بالتحقيقات الروسية.

كما أعربت أوساط كثيرة عن تخوّفها من تبعات مثل هذه “المجازفة” التي تقدّم للرئيس الكوري الشمالي “الاعتراف والشرعية بلا مقابل”. فهي المرة الأولى التي سيلتقي فيها رئيس أميركي، خلال ولايته، مع زعيم كوري شمالي، منذ الحرب الكورية في خمسينات القرن الماضي.
صحيح أنّ الزعيم الكوري تعهّد بوقف التجارب النووية والصاروخية، خلال فترة التفاوض مع واشنطن، لكنّه لم يلتزم بوقف مشروعه في هذين المجالين، ناهيك عن التخلّي عنهما. ثم إنّه قادم إلى قمة، وربما بعدها إلى مفاوضات، من موقع قوة يوفّرها له النووي وصواريخه، وبالتالي ليس من المتوقع أن يقدّم التنازلات، حتى لا نقول تسليم ترسانته النووية.

أقدم ترامب على خطوة تتحدّى الواقع. انتقل في ذات اليوم من حرب نووية إلى حرب تجارية. تراجع عن الأولى وفتح جبهة الثانية، ومن غير التشاور مع المعنيين في إدارته. أحرج الوزير تيلرسون في موضوع القمة، حيث بدا الأخير وكأنّه آخر من يعلم.

قبله أحرج وزراء المالية والدفاع والخارجية، ودفع مستشاره الاقتصادي الأول غاري كون إلى الاستقالة، لأنّه فرض رسوماً جمركية عالية على واردات الحديد والألمنيوم من الخارج، وبما ينذر بحرب تجارية مع الآخرين، وربما مع العالم. وإذا كانت مسألة الرسوم وفاء لوعد انتخابي قطعه الرئيس خلال حملته، ولو على خطأ، حسب معظم المرجعيات، إلا أنّ السؤال يُطرح حول ما الذي حمل ترامب على قبول القمة مع كيم؟ هل ليتفرّغ لساحات أخرى وبالتحديد في الشرق الأوسط، يحظى التصدّي لها بتأييد واسع في أميركا؟

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى