إلى أين تأخذنا الثورة التكنولوجية؟

سواليف
في منتدى دافوس الأخير، أشار رجل الأعمال الشهير جورج سوروس، إلى أن جوجل وفيسبوك يمثلان 60% من سوق الإعلانات الأميركية، الأمر الذي استنزف الصحافة الكلاسيكية، مع ما يترتب على ذلك من ضرر للتعددية الديمقراطية وجودة المعلومات.

من الناحية المالية، تستخدم هذه الكيانات العملاقة أدوات ملتوية تسمح لها قانوناً بتجنب دفع الضرائب إلى الخزينة الوطنية.. فيجب على الشركات دفع ضرائبها مقابل الفوائد التي تحصل عليها.

يوم الجمعة الماضي، درس رؤساء وزراء الاتحاد الأوروبي التشريعات المتعلقة بهذا الأمر.. كما طالب ديماس خيمينو، رئيس شركة El Corte Inglés، بما سمَّاه (قوانين متسقة)، تسمح بالتنافس على قدم المساواة مع شركات التجارة الإلكترونية، بحسب صحيفة ABC الإسبانية.

وأضاف “ما لا يمكن أن يستمر حدوثه هو ألا يدفعوا الضرائب، بينما ندفعها نحن”.. من الواضح أن هذا اتهام صريح.

مقالات ذات صلة

في عام 2016، دفعت Google وAmazon وFacebook وApple 20.3 مليون يورو فقط في إسبانيا كضرائب، وذلك على الرغم من زيادة مساهمتهم مقارنة بالسنوات السابقة.

يتفق جوناثان تابلين مع خيمينو “لا تدفع شركة أمازون الضرائب حتى لبيع الكتب، بينما تدفعها العديد من المكتبات المستقلة والشركات الأخرى، ولا يحترم YouTube حقوق الطبع والنشر، بل يأخذ مع أعمال الآخرين بدون دفع أي أموال لهم.. Google تمتلك 90% من سوق البحث، Amazon %70 من مبيعات الكتب، وتمتلك فيسبوك وتوابعها Instagram و75% WhatsApp من نشاط الشبكات الاجتماعية”.

يرى تابلين أن الحل يكمن في قوانين مكافحة الاحتكار التي تستعيد المنافسة، وكذلك (مع تنظيم القواعد الأخلاقية).

على الرغم من أن فيسبوك هو أكبر ناشر للمحتوى في العالم، إلا أن زوكربيرغ لا يشعر بالقلق من القوانين المتعلقة بالدفاع عن السمعة التي تُلزم مدير أي صحيفة عادية.

من خلال الشبكات الاجتماعية لهذه الشركات المتعددة الجنسيات، تنتشر المحتويات التي تؤيد الإرهاب، أو العنف، أو المحتويات الخبيثة والمسيئة للأطفال، وكذلك الأخبار المزيفة المنتشرة في كل مكان، ولا يزال ذلك كله دون عقوبات رادعة.

حكايات الروبوتات والأجهزة اللوحية

لا تقتصر أغنى الشركات في العالم على التنصل من الضرائب الحكومية فحسب، بل أيضاً من قوانين العمل.

هناك الملايين من العاملين لحسابهم الخاص الذين يعملون لحساب هذه الشركات متعددة الجنسيات، وهم موظفون غير معترف بهم، ولا يتمتعون بحياة مهنية مستقرة؛ إذ يعملون بموجب نظام عقود العمل الصفرية.

وعلى عكس أي مؤسسة صغيرة أو متوسطة، يُعفى مديرو هذه الشركات العملاقة من دفع الضمان الاجتماعي لموظفيهم، الأجور منخفضة للغاية والمعايير مرتفعة بشدة.

أما أمازون، التي يتم التحكم في متاجرها في المدة التي يستغرقها العمال للذهاب إلى الحمام، فقد عانت هذا الأسبوع من إضراب في مدريد بسبب مثل هذه الانتهاكات.

عدم الاستقرار الوظيفي والتهرب الضريبي وتحويل الوجه التقليدي للمدن، حيث تخضع حركة التجارة للطلب، غير قادرة على التنافس مع نظيراتها الإلكترونية.

يمتلك المخ الروسي العدواني، جاري كاسباروف، البالغ من العمر 54 عاماً، والكوري الجنوبي الصغير، لي سيدول شيئاً مشتركاً.

لقد كانوا الأفضل في العالم في لعبتهم، الشطرنج وGo، لعبة الألفية التي يقال إنها تقدم تشكيلات بأعداد أكثر من الذرات الموجودة في الكون.. كان ذلك حتى انضم إليهما منافس ثالث أزاحهما بعيداً؛ جهاز يعمل بالذكاء الاصطناعي.

في عام 1997، قام كاسباروف بمبارزة حاسوب ديب بلو.. فاز الرجل في البداية، ولكنه لم يعد قادراً على المواصلة في النهاية.

كان كاسباروف أكثر إبداعاً، لكنه كان يفتقر إلى الثبات والسعة الحسابية الفورية اللذين تمتع بهما خصمه.

مؤخراً، نشر الرجل كتاباً عن هذه المعركة غير المتكافئة بعنوان Deep Thinking، ومن المثير أنه قد تصالح في النهاية مع الذكاء الاصطناعي قائلاً “يمكن للتكنولوجيا أن تجعلنا أكثر إنسانية من خلال منحنا المزيد من الحرية لنكون أكثر إبداعاً”.

اكتسح لي سيدول بطل العالم الرابع عشر في لعبة Go، هُزم من قبل نظام Alpha Go الاصطناعي تابع لشركة Alphabet القابضة لجوجل.

ترعى هذه الشركات التكنولوجية العملاقة أحدث الأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي، تعد جوجل، على سبيل المثال، رائدة في تطوير السيارة دون سائق، التي أصبحت بالفعل حقيقة واقعة.

هل ذلك آمن للاقتصاد؟

الجانب الإيجابي، هو تجنب الحوادث التي يتسبب الإنسان في معظمها، ولكن هناك جانب مظلم؛ إذ تعيش العديد من العائلات في العالم على مهنة القيادة.

القيادة هي أول وسيلة للتوظيف في 29 ولاية من بين الولايات الأميركية الـ58، وهي دولة بها خمسة ملايين من سائقي الشاحنات.

هناك المزيد أيضاً من القطاعات المتضررة؛ فأي شيء يتطلب أقل من عشر ثوان من التفكير يمكن القيام به من قبل الذكاء الاصطناعي.

يتنبأ المتشائمون بحدوث زلزال مدمر للوظائف التقليدية، تصل إلى 57% في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وفقاً لأكثر التوقعات تشاؤماً.

المؤسف أن أكثر من سيتضرَّرون هم العمال ذوو الأجور المنخفضة وذوو التعليم المتدني؛ بينما ستساعد الشهادة الجامعية ومعرفة القراءة والكتابة الرقمية في الحصول على وظيفة.

لا يتفق المتفائلون مع هذا الرأي؛ فهم يعتقدون أن الثورة التكنولوجية ستولد مهناً جديدة، وأنه سيكون هناك المزيد من العمل، كما حدث بسبب الطفرات التكنولوجية السابقة.

من جانبهم، يدعو الإنسانيون إلى تأسيس (دخل ثابت عالمي) من الأرباح الهائلة التي تدرُّها التكنولوجيا لمساعدة المليارات من الأشخاص الذين سيفقدون وظائفهم.

الاستعداد لما لم نره من قبل

أخبار حديثة: مشاهير هوليود الذين استنسخوا حيواناتهم الأليفة، جامعة بيركلي تصل إلى أول بيرة معدلة وراثياً، وسيارة أجرة بدون سائق من أوبر دهست وقتلت امرأة في ولاية أريزونا. وولادة أول طفل لثلاثة من الوالدين الوراثيين.

لقد تهنا في مناظرات القرن العشرين (القومية، والشعبية الشعوبية)، وأحياناً نتغاضى عن أننا بالفعل منغمسون في أعظم ثورة تكنولوجية في التاريخ، وهو خلل كبير سيتغير معه وجه البشرية.

باع المؤرخ الإسرائيلي يوفال نوح هراري الملايين من الكتب، حيث يقول فيها، إن الإنسان العاقل على وشك أن يمنح نفسه صفات اعتقدنا أنها محفوظة للإله فقط.

يقول هراري “يقول الكتاب المقدس إنه خلق الحيوانات والنباتات وفقاً لإرادته، ونحن على وشك القيام بذلك أيضاً”.

إن ما يقلق هراري هو أن “كون الهندسة الوراثية والفضاء الإلكتروني، رهن إشارة النخبة سيسمح لها بخلق كائنات بشرية فائقة، مع قدرات محسّنة لا تستطيع (الطبقات الأدنى من البشر العاديين) الحصول عليها”.

ستكون تلك نهاية الانتخاب الوراثي الذي يتيح للإنسان أحياناً أن يولد فقيراً، ولكن بشكل أفضل جسدياً وفكرياً أكثر من آخر ولد غنياً.

تتزايد السرعة التي تتطور بها الاختراعات الجديدة بشكل كبير وأسرع.

في تقرير من مؤسسة Fundación Telefónica، يذكر أن الهاتف قد استغرق 65 عاماً للوصول إلى 100 مليون منزل في العالم، بينما بلغ Facebook هذا الرقم في خمسة أعوام فقط ، وبلغته لعبة Pokemon Go في 25 يوماً.

اليوم يبلغ عدد الأجهزة المحمولة في العالم ضعف عدد السكان، وعلى الرغم من أن 3.9 مليار شخص لا يزالون يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الإنترنت، فإن سبعة من كل عشرة من أصل 20% من أفقر الناس على كوكب الأرض يمتلكون هاتف نقال، ومنهم من لا يتمتع بذات السهولة في الحصول على الماء.

الآلات توشك أن تتخطانا

في عام 2015، نجحت إحدى تلك الآلات في اجتياز اختبار تورنغ متظاهرة بأنها شخص عادي.

وفي العام الماضي، أغلق فيسبوك نظام تداول تم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي لأنه ابتكر لغته الخاصة.

في بداية هذا العام، طوَّرت شركة Alibaba، وChina Amazon، و Microsoft أشكالاً من الذكاء الاصطناعي تجاوزت قدرة البشر على فهم القراءة.

في منتصف القرن من المتوقع أن الكمبيوتر يمكن أن يكتب أفضل الكتب مبيعاً، (ولا عزاء لدان براون)، وسوف يكون مسؤولاً أيضاً عن جميع التدخلات الجراحية (ولا عزاء للجراحين).

لكن موعدنا الكبير سيكون بحلول عام 2060، إذ يُقدّر أن الذكاء الاصطناعي حينها سيتجاوز البشر للمرة الأولى ليصل إلى (التفرد).

يحذر التقرير من أن “الآلات ستكون قادرة بعد ذلك على النشر الذاتي والتطور بشكل هائل”.

تتحدث الأخبار هذه الأيام عن الواقع المعزز والواقع الافتراضي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والسيارات ذاتية القيادة، والطائرات بدون طيار، وإنترنت الأشياء، وتقنية 55، والمساعدين الافتراضيين، الروبوتات، الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا الحيوية، الحوسبة الكمومية.. “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى نهاية الجنس البشري”، هذا ما وصلنا من الصوت الآلي لستيفن هوكينغ في أيامه الأخيرة.

يرى إلون ماسك أننا “نحضّر الشر بالذكاء الاصطناعي”، فهو يرى أنه يمكن أن يكون أسوأ من الأسلحة النووية”، بالطبع هذا تحذير متناقض قادم رائد في استخدام الذكاء الاصطناعي بسياراته الذاتية تسلا.

من الفلسفة أيضاً تأتي التنهدات: “يجب أن تكون البيانات والآلات في خدمة الناس، وليس العكس.

أما الفلاسفة، فلا تختلف آراؤهم كثيراً؛ إذ يقول بيونغ-شول هان، الفيلسوف الكوري الجنوبي المقيم في ألمانيا إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح كالمنشار الذي عندما يساء استعماله يحزّ الرقاب.

هل ستلغينا الآلات؟

هذه النظرة السلبية قاصرة للغاية؛ إذ على العكس سوف تطيل الثورة التكنولوجية حياة الإنسان بطريقة مدهشة وستقضي الأمراض التي تهزمنا اليوم.

أظهر مشروع بحثي لهارفارد أن الذكاء الاصطناعي يكتشف الخلايا السرطانية بنسبة نجاح 92% مقارنة بـ96% لعلماء الأورام، لكن عندما يعمل العلماء والذكاء الاصطناعى معاً، يكون النجاح بنسبة 99.5%.

يرى البعض أن هناك الكثير من الهستيريا عند الحديث عن تهديد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو ما يطلق عليه اسم “Robotapocalipsis”.

تكمن المغالطة في حقيقة أن الذكاء يرتبط بالدافع، فحتى إذا اخترعنا روبوتات ذكية عظمى، فلماذا سيرغبون في استعباد البشر وغزو العالم؟

الذكاء هو القدرة على تطوير طرق جديدة لتحقيق الأهداف. ولكن هذا ليس هو نفس الشيء الذي تريده (الأشياء).

“حقيقة أن الآلات تفوز علينا بالفعل في الشطرنج والألعاب عبر الإنترنت لا تعكس فهماً أفضل لكيفية عمل الذكاء، ولكنها تعبّر فقط عن قوة الرقاقات والخوارزميات والبيانات التي تسمح بتدريب البرامج بملايين من الأمثلة التي تمكنها من توليد أمثلة جديدة مماثلة.

ولكن إذا كنا لا نريد الذكاء الاصطناعي الخطير، فقط علينا ألّا ننشئه من البداية، فربما تتطلب الثورة التكنولوجية إعادة تسليح أخلاقي، ووضع بعض الخطوط الحمراء.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى