قصيدةُ رثاءٍ للشهيد معاذ الكساسبه / د . خليل الرفوع

قصيدةُ رثاءٍ للشهيد معاذ الكساسبه

أبوحُ بما ليسُ قلبيْ يبوحُ رَسِيْسًا منَ القوْلِ فِيَّ يلوحُ
تصاعَدَ مثلَ البَخُور شفيعًا ففي كلِّ عِطْرٍ مُعَاذٌ يفوحُ
وفي الشعْرِ صَدْحُ الأغاني
ونعْيُ المُـغنِّي
وفي الشِّعْـرِ نبضُ الحروفِ
يُضِيْءُ المعانيْ
لتحيا مُناهُ
على وشْمِ نجمٍ يُطِلُّ بوجهِ معاذٍ
يُرَى في السَّمَاءِ وفي الأرضِ نسرًا
يُظلِّلُ دنيا تُسَمَّى الوطنْ
سلامٌ على شَرَفِ الكبرياءِ نُرَتِّلُه كلَّ فجرٍ إليكَ
بعيْنَيْكَ يا ابنَ الْلَظَى جمرُها واشتعالاتُها
أيا باعثَ الصُّبحِ من ليْـلِـنَـا
مِنْ غروبٍ ألِفْـنَا رَحَاهُ
تدوْرُ علينا وتنثرنُا مثلَ ريْحِ الرَّمَادِ
فيا أيها السَّـيْـفُ سطِّرْ
مُعَـاذًا
على وجهِ عُشَّاقِهِ خُضْرَةً من حقولِ الدَّوالي
فأنتَ أريجٌ لهذا النَّدى أيُّهذا الفتى ،
أبوانِ يَـزُفَّانِ قلبيْهِما للسماءِ معًا
هوَ ذاكَ الوليدُ وذاكَ الشهيدُ
بدايَةُ تسبيْحةٍ وانتهاءُ قيامٍ
بصوْتِ الإلهِ وصوتِ النشيجِ الشَّجِيِّ
تُوَدِّعُه نَظَرَاتُ الرفاقِ
عزائمُ أيمانِهمْ : يا لثارتِ هذا الرفيقِ البَهِيِّ .
وعيٌّ تودِّعُ – مكْلوْمةً – سهمَها
مثْلَ قوْسٍ تَرِنُّ على نَزْعِ ريحانَةٍ منْ أريجِ غُصُونِ الثَّرى
ومثلَ صلاةِ أبيهِ إذا الليلُ أضناه ثم سَجَى
يُنَاجِي الإلهَ بِـبِرٍّ تَهادى
كصُبْحٍ تنفَّسَ من أمِّ موسى هواهُ
وأظمأَ منهُ فؤادًا تَرَوَّى منَ المُوجِعَاتِ
وطيفِ حبيبٍ يُراودُ
نَزْفَ الحشَى كُلَّما شَفَّ وَجْدٌ جديدُ
لكَ اللهُ والمُـبْـكِـيَاتُ
وما في الضلوعِ تَرِفُّ بشُعْلةِ جمْرٍ
تُسَعِّرُ أنوارَها من مواكبِ مِشكاةِ مصباحهِ.
فيا نارُ كوني سلامًا وبردًا عليهِ
وكوني على مِعْـصميهِ وُرُوْدًا
ولُـفِّي الرجولَةَ بالغيْمِ حينَ النِّداءِ ورفْعِ يديهِ
وصلِّي عليهِ صلاةَ الوَدَاعِ
فقدْ كانَ نفْحًا يَطِيْرُ بظلِّ الدُّعَاءِ
فلمْ يُرَ إلا خُشُوعًا على عاشِقِيْهِ
ولم يُرَ إلا شُمُوخًا على آسِرِيْهِ
بسيطًا كقمحِ الجَنُوبِ
طويلا كصَيْحةِ جعفَرْ
ومن ماءِ عِفْرَا تعمَّدَ مثلَ المسيْحِ
ومثلَ النَّهارِ الحزينِ
لمؤتةَ منهُ الشهادةُ شهْدَا
كما له منها الحياةُ
فقد خَطَّ شَكْلَ اسْمِهِ في السماءِ
صهيلا على زُرْقةِ البحرِ يطعنُ ظلمةَ أمواجهِ
بكفَّـيْـه حتى يُعيدَ الحياةَ إلى مائهِ

كبيرًا كموج كرامتنا
وبوحِ هُيَامٍ تناثرَ مِسْكًا زكيّا
على وجهِ هذا الغروبِ الأخيرِ
فطَهَّرَه من نجاسةِ فتنَةِ ذاكَ المُـلَوَّثِ بالسَّفْـكِ
بالرِّجسِ بالسَّبْـي
لا فرقَ بينَ دمٍ فاضَ
أو بين ماءٍ أُرِيْقَ على زيغِ جهلِ الأميرِ الطريدِ.
يغالبُ سُمَّ الحياةِ وحيدا هناكَ
وفي ثَغْـرِهِ سَكَـرَاتُ الهوى
وبعضُ تباشيرِ آياتِ ذِكْرٍ خَفِيٍّ
وفي صدرهِ شَهْقَةٌ لا تُرَدُّ
تُرفْرِفُ بين الحنينِ إلى سِربهِ
وبينَ الحنينِ إلى نسَمَاتِ الخلودِ
نبيًّا مضى
واسعَ الخَطْوِ
أبيضَ حتى التَّـداعي
يَرَى الجمرَ وَرْدًا
يَرَانا ، يَرَى حُمْرَة القيدِ فَتْحًا مُـبِـيْـنًا
سوادَ الوجوهِ جحيما
خيوطَ الدُّخانِ طريقا إلى مُرْتَجى الرُّوحِ
مأوىً ومثوىْ
لهذا أرادَ الرحيلَ وحيدًا
إلى سِدْرَةِ المُنتهى

أ.د. خليل الرفوع
أستاذ الأدب العربي في جامعة مؤتة

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى