قسوة القلوب / د . عودة أبو درويش

هل من علاج لقسوة القلب عند بعض الناس ، الذين يبتعدون بقسوة قلوبهم عن الله ، والذين لم يشعروا يوما بأنّ ضميرهم يؤلمهم لعمل غير صالح قاموا به ، أو لم تؤثّر فيهم دمعة يتيم ، أو لدعاء امرأة ثكلى فقدت زوجا أو أبنا ، أو نصروا الظالم على المظلوم ، أو حرموا محتاجا من أن يحصل على ما يريد من حاجات بسيطة تغنيه عن السؤال ، ولم يعطفوا على فقير ولم يرحموا معاق ، ولم يهتمّوا بأمور اخوتهم ولم يعينوهم على من عاداهم ، ولم يتأثروا بآيات القرآن التي تتوّعد القاسية قلوبهم بالويل في الآخرة ، ولا يردعهم موت انسان قريب منهم أو بعيد عن عمل السوء مع الناس ويؤثرون متاع الدنيا القليل على نعيم الآخرة ، هؤلاء هم من تتوّحش قلوبهم فتقسى ، فيضيقون بالناس ويضيق الناس بهم . القاسية قلوبهم من أخطر الناس على مجتمعاتهم ، فبهم وبسببهم يصبح المجتمع منعدم للرحمة والرفق واللين بين أفراده ، فتزول عنهم النعم ويبتلون بالنقم ، وتكثر بينهم وبين أفراد مجتمعهم العداوة ، وتدخل الامراض الى قلوبهم فيصبحون أكثر عرضة للإغواء واتباع الشهوات ، ويحبّون الدنيا ويركضون للحصول على رزق كتبه الله لغيرهم ، فيعتدون على رزق غيرهم من غير وجه حق ، ويكثر الران الذي ذكره الله في كتابه العزيز على قلوبهم بسبب الأعمال السيئة التي يقومون بها ولا يتوبون عنها ، ويغفلون عن ذكر الله الذي بذكره تلين القلوب ، فيقومون بالأفعال التي تغضب الله ويكرههم بسببها الناس . ولكن هل يستطيع القاسية قلوبهم معالجة هذا المرض ، نعم ، فقد شكا رجل الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسوة قلبه فأعطاه الحلّ السحري بأن يطعم المساكين وأن يمسح على رأس اليتيم ، لانّ الذي يعتدي على حق المساكين والمحتاجين ويأكل مال اليتيم ، يخرج من رحمة الله ويصبح قلبه قاسيا خاليا من ذكر الله ، وأن من يفعل ما أمر به رسول الله يصبح قلبه رقيقا لينّا يحسن معاملة الناس ولا يقسو عليهم ، وبعكس ذلك فانّ على القاسية قلوبهم أن يقفوا أمام المرض الذي أصابهم ، فيحاسبون أنفسهم ولا يستقوون على الناس بأفعال لا يحبّها لله ، فيكونون ممن وصفهم الله بالقاسية قلوبهم الذين توّعدهم بعذابه . في أيّامنا هذه أصبح القاسية قلوبهم يتفاخرون بذلك فتجدهم يعتدون على حق المحتاج واليتيم ويظنّون أنّ الله لا يراقب أعمالهم الشنيعة التي بسببها سيدخلون نارا وقودها الناس من أمثالهم والحجارة ، فقد غضب عليهم الله وكرههم الناس وعليهم محاسبة أنفسهم وإصلاح قلوبهم لعل الدرن يذهب عنها . وقد قال ابن القيّم رحمه الله ، ما عوقب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله وما خلقت النار إلا لإذابة القلوب القاسية ، فإذا قسا القلب قحطت العين. نسأل الله العافية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى