في ظل كورونا، كيف نكون في رمضان!

في ظل كورونا، كيف نكون في رمضان!
نايف المصاروه

مع بداية شهر رمضان الخير، اقول لكل المؤمنين، كل عام وكل حين وآن وأنتم بكل الخير.
ثم أقول لنفسي وللجميع،  رمضان هو شهر لتجديد التوبة للاقلاع عن الرذائل والمذمومات، وشهر الجلد والجد والإجتهاد والجهاد، وهو شهر الصبر والنصر، وهو شهر القرآن والفرقان ، قال سبحانه ((شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ…) ، وقوله عليه الصلاة والسلام “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشفَّعان» (رواه أحمد وصححه الألباني).

في رمضان يزاد رزق المؤمن، وفيه تتجلى رحمه الله تعالى على عباده ، وفيه يتراحم  العباد على بعضهم، وفيه تكون المغفرة، وفيه العتق من النار، وفيه تفتح أبواب الجنان للتائبين والمقبلين على الخير، كما تغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الجان، قال عليه الصلاة والسلام”أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه…” ،وقوله عليه الصلاة والسلام «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» (رواه الترمذي وصححه الألباني).

ولهذا كان السلف.. ينتظرون رمضان بشوق المحب للوافد  المحبوب  الغائب ، ويتهيأون له بالجد والاجتهاد، للتعرض للنفحات، والاستزادة من الخيرات، اولئك الذين عرفوا.. أن الكيس من عمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

الصوم مدرسة ربانية، ندخلها كل عام لإعادة ضبط النفس وتوطينها على أهميته الوقت في حياتنا، كما أن من منهج مدرسة الصوم، المسارعة الى الفضائل وطلب المعالي، والترفع عن النقائص والرذائل وترك القبائح، والتحلي بمعالي الاخلاق،”قال عليه السلام «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
إن مفهوم عبادة الصوم في ظاهرها إمتناع عن سائر المفطرات، بالرغم من شدة الاحتياج إليها أحياناً، ولكن ذلك لإمتناع هو سر الصوم ومقصده، للسمو بالنفس الى أعلى مراتب الايمان والاحسان، إمتناع بكل الرضى والمحبة والتصديق، على وعد الله العظيم، بجزيل الجزاء ، قال عليه السلام : « قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم.. ”.
 
في رمضان كانت الفتوحات التضحيات، وفيه الجد والمجاهدة، ويتجلى البذل والعطاء، ولهذا فليس من اهداف الصوم ولا من أخلاق الصائمين، كثرة التهافت على الأسواق للشراء المحموم، والتكديس المذموم، مما أسهم ويسهم بجشع بعض التجار لرفع الأسعار.

مقالات ذات صلة

ومن السلوكيات المذمومة التي تتكرر في كل رمضان، كثرة التشهي لطبخ كل ما لذ طاب من الأطباق، وما ينتج عنه من الإسراف والتبذير وهي أمور ملموسة ومشاهدة ، فما يلقى في صناديق القمامة من فضلات الأطعمة وزوائدها ، هو من أسباب كفران النعم، كما أنه سبب من اسباب إندثارها أو زوالها، وإن الأصل في أخلاق المؤمن بشكل عام، الإقتصاد في الإنفاق، وحفظ النعم وتعظيمها.

وهنا أدعو كل أسرة إلى مبادرة، تتجلى بضبط الانفاق، ثم توجيه الفائض من الأطعمة او المدخرات الى أبواب الخير وكل ما فيه مصلحة المجتمع  والأمة، والابواااب ما أكثرها.

ونحن نمر بضروف  جائحة كورونا، وما نتج عنها من ويلات وخسائر في الأرواح والممتلكات، وتوقف لمصادر الرزق للبعض، تعالوا بنا اولا – نجعل من شهر رمضان هذا بالذات فرصة للتوبة الحقيقة بالقلاع عن كل الرذائل والمذمومات، ثم لنجعل منه فرصة لمحاسبة الذات على كل ما كان.
ثم تعالوا بنا نتوقف للحظات مع معاني الحديث النبوي ” عندما قال عليه السلام لهم ولنا من بعدهم ” يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن::: – – لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا” .
” ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم”.
” ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا ”.
” ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم”.
” وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» (رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الالباني في الصحيحة.

ثم تذكروا… أن من معاني مدرسة رمضان، المسارعة الى كل الخيرات و البر ولإحسان وكل صنائع  المعروف، فقد كان  صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، وكان عليه والسلام  أجود بالخير من الريح المرسلة”.
وتعالوا بنا  نستقبل رمضان ، كل منا في حيه الذي يقيم فيه، أو قريته التي يسكنها، او مسجده الذي يصلي فيه، أو مكان عمله الذي يعمل به ، لنتفقد المحتاحين والمعسرين وكل أصحاب الاحتياجات ، ولو بالقليل فإن ذلك سيكون كثيرا وله أثر كبير ،ثم تذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجرِه غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا» (رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني).

ثم تعالوا بنا.. نجعل من رمضان، فرصة لإعادة توطين النفس وإرغامها على قبول ما فيه مصلحة العامة ، ولنوحد صفوفنا، كما في صلاتنا فلا اعوجاج ولا خروج عن الخطوط، نتوحد جميعا لمواجهة الوباء الذي حل بنا، كما حل بكل العالم ، وإن من المواجهة  أن نصدق أن الوباء حقيقة ، وقد أوقع بنا فيروس كورونا، ما لم يوقعه الاعداء، ففطرت القلوب على فقد بعض الأحبه أو بإصابتهم،أسال الله ان يرحم ويعافي،ولمن لا يزال يشك أو يشكك، أقول.. بادر إلى زيارة  أقسام العزل في أقرب مستشفى عندك، لتجد الواقع.

وإن من المواجهة أيضا.. أن نتقيد بالهدي الرباني والنبوي، ومن ذلك قوله  عليه السلام “الطاعون رجس أُرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم،….” “فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه””.

وقوله عليه السلام “لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد”.

وقوله عليه السلام أيضا “” لا يُورَد مُمرِضٌ على مُصحٍّ”، أي: لا يأتي أو يُؤتَى بشخص مريضٍ الى شخص صَحيحٍ سَليمٍ معافى، مخافَةَ أن يُعديَه، وهذا أكثر ما يكون من خلال الزيارات والتجمعات .

ولم يقف الامر بالمنع فقط، بل جاء الامر كذلك بالترغيب والترهيب، فقال عليه السلام، في حديث  رواه أحمد: “الفارّ من الطاعون كالفارّ من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف”.

وفي رواية.. فيمكث في بلده صابراً محتسباً، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد” رواه البخاري.

وإني لأستغرب ممن يرغم نفسه ويجاهدها، بالإمتناع عن الطعام والشراب طوال اليوم، ولا يتقيد بوسائل الوقاية والسلامة للحضات او بضع ساعات .

نعم للإستزادة من الخير، والذي منه صلاة الجمعة الجماعة في كل حين، والقيام في رمضان وما فيها من عنوان للوحدة والقوة، ولكني أستغرب من البعض كثرة مطالباتهم بالسماح لإداء صلاة التراويح بشكل خاص ، بالرغم من وجود الجائحة ، وهنا أشير الى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلى في المسجد ذات ليلة في رمضان فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم»” .

وأقول أيضا… إن من الواجب على العلماء الثقات ، وهم من يصدر الناس عن رأيهم، ويطمأنوا اليهم ويثقوا بهم، أن يبادروا ويبينوا للناس مراتب السنن من حيث الوجوب والندب والإباحه.
وأقول أيضا.. إن حفظ النفس، من الضرورات التي أقرتها الشريعة، وإن حفظ النفس مقدم على حفظ المال.

ثم لنعلم أيضا.. معاني ظاهر النصوص ومراتب الرخص الشرعية ، روى حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: “يا رسول الله، أجد بي قوةً على الصيام في السفر، فهل عليَّ جناح؟” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحبَّ أن يصوم فلا جناح عليه» (رواه البخاري في الصوم ومسلم).
اخيرا.. دعوة للحكومة… يكفي ثم يكفي، كثرة “من يظهرون على وسائل الإعلام ليصرحون”، وما يظهر من تعدد وتضارب في التصريحات، واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أن عضوا في لجنة الاوبئة وهو دائم الحضور والظهور على وسائل الإعلام، قال سابقا أن الحجر ليوم الجمعة وما يرافقه، من تمديد لساعات الليل، يعدل إجراءات الغلق التام وفيه مصلحة، وكان سببا في تسطيح المنحنى الوبائي، وانخفاض اعداد الإصابات، هذا كان قبل التعديل الوزاري الاخير، لكن بعده.. عاد ليظهر وينسف ما قاله سابقا.. فصرح بما معناه… أن حجر الجمعة ليس له أي فوائد تذكر.
ترى هل تعي وتدرك الحكومة، أثر ذلك على ما تبقى من الثقة والمصداقية؟
وإني لأدعوا الحكومة الى ضرورة اختيار شخصين موثوقين في أمر الصحة والفتوى، ليتحدثا للناس بشأن الواقع الصحي، وبكل صدق وشفافية، وضرورة التقيد بالأوامر من المنظور الشرعي.
ختاما.. للجميع.. البذل والعطاء سمة المؤمن، فسارعوا وسابقوا ، كما ان التقيد والوقوف على أوامر الشرع صفة المؤمنين فتقيدوا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى