في بعض الجامعات: النفاق أخطر من الظلم

في بعض #الجامعات: #النفاق أخطر من #الظلم
د. حفظي اشتية
الحديث عن النفاق ما هو بالحديث المرجّم كما قال زهير، وصفات المنافقين يعرفها العالم والجاهل، والمنافقون يعلمون أنفسهم جيدا، لذلك ستتجاوز المقالة هذه الأبجديات، لتتناول أثر النفاق في شؤون الجامعات أداء وإدارة وإنتاجا وآثارا في المجتمع.
ثمة فئة من الناس طُبعت على النفاق، فأصبح لها منهج حياة، وعادة سلوكية ثابتة، هي تدرك الفجوة الهائلة بين إمكاناتها الحقيقية وطموحاتها الخيالية، وتعلم يقينا أنها في الظروف العادلة الطبيعية لن تحقق ما تتوق إليه، ولن تحصل على ما لا تستحقه. لذلك تراها قد لجأت إلى التملق لكل مسؤول، واستخدمت كل وسيلة ممكنة للوصول، ومرنت على ذلك وبرعت فيه، واختزلت الجسم في أذن ولسان : أذن عريضة واسعة الصوان تتسقط الأخبار، ولسان ما سالت عليه فصاحة العرب وحكمتهم يوما، لكنه بارع في التمسّح والتمسكن والتقرب والتذبذب للظفر بالثقة والزلفى.
يسمع المنافق أن مسؤولا جديدا قادما لرئاسة المؤسسة، فيجلب كل خيله ورجله، ليعرف نقاط قوته وضعفه، ماذا يحب وماذا يكره ؟ من أهله ومن أعمامه ومن أخواله وأنسبائه وأصدقائه؟ ما هواياته؟ ما الأكلات التي يحبها؟ والمشروبات؟ والرحلات؟…..إلخ
يتسلح بكل هذا ويبدأ التسلل، وقد يُرد أو يُصد أو يهان، لكنه يصبر صبرا ذميما، ويستلهم دائما معنى الشاعر :
أخلِقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن الطَّرْق للأبواب أن يلجا
وهنا تقع الكارثة، تحيط هذه الشردمة المنافقة بالمسؤول إحاطة السوار بالمعصم، يحجبونه عن الناس، بل يحجبون عنه الهواء النقي، فتتراخى قبضته وإدارته، ويصبح مضبوعا لهم: يرى بأعينهم ويسمع بآذانهم ويبطش بأيديهم، يزينون له الحق باطلا والباطل حقا، يرفعون قدر من يريدون، ويشوهون صورة من يريدون، يعينون هذا ويرفضون ذاك، ويرقّون هذا ويمنعون ذاك، يكافئون هذا ويعاقبون ذاك، ومصالحهم الشخصية التي تماهت تماما مع مصلحة المسؤول هي الميزان لكل ذلك، هو يعلم أنهم منافقون، لكن يروق له ذلك طالما أنهم مسامير تشد كرسيه الصامد الواعد، وهم يعلمون أنهم يقودون المؤسسة إلى الخراب واليباب، لكنهم سادرون في غيهم طالما أن ذلك يخدم مصالحهم.
والعلاقة بين الطرفين بنت ليل، سرعان ما تنفصم عراها عندما يتشقلب الرئيس عن كرسيه البئيس، فتسارع ألسنتهم بالتشدق أنهم كانوا ينصحونه، ويحاولون توعيته وإصلاحه، لكنه عنيد مضى بقدمه نحو مهبطه الأكيد.
أعرف رئيسا قبل سنين أُوقف عن عمله وأُخرج مع نوابه من جامعته، ولعله كان مظلوما، لكن كان أكثر الشامتين والمعلقين والمهرجين والمقهقهين هم من كانوا قبل ساعات فقط في حاشيته. ثم قُدّر لهذا الرئيس أن يعود مبرّأً بعد أيام إلى عمله، فكان هؤلاء أنفسهم أيضا على رأس المصطفين المستقبلين المنحنين المهنئين المداحين……إلخ وما زالت تلك عادتهم وعادة أمثالهم إلى الآن، وستبقى بعد الآن، وتلك عقبى المسؤول الذي يتوارى عن عامة رعيته، ويكتفي بهذه الجوقة من عيدان القصب الفارغة المجوّفة.
فإلى كل مسؤول شريف جديد مقبل على مهمته نقول ما قالت العرب : ( أمرَ مبكياتك لا أمرَ مضحكاتك ) .
حذارِ حذار من هذه الفئة المداهنة المنافقة، الأولى أن تتأنى وتدقق النظر بأخلاقها وماضيها وشهاداتها وأبحاثها وترقياتها ومناصبها خشية أن تنخدع بها.
إنها ستتظاهر أمامك بالجدارة والكفاية والاستقامة والانتماء والجدية والتفاني في العمل والدقة والصدق والأمانة….إلخ بينما هي أبعد ما تكون عن كل ذلك.
افتح بابك للناس واسمع منهم، وزِن كلامهم، واسبر شخصياتهم، واستنهض فراستك لميز صالحهم من طالحهم، واسمع شكاة المظلوم منهم، وبادر إلى الإنصاف بعد التحقق والتيقن، ومعاقبة كل ظالم.
الناس محبطون من حالة التردي التي عانوا منها طويلا، وينتظرون بلهفة المسؤول القوي الذكي العادل الذي يبدأ الحساب ويفرض الثواب والعقاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى