ثقافة التصفيق / سهير جرادات

ثقافة التصفيق
سهير جرادات

يحرص الأردني على تعليم أطفاله وقبل بلوغهم السنة الأولى من العمر فن التصفيق ، ويبدأ تعليمهم كيفية استخدام أيديهم ، واصدار أصوات تُدخل الفرح والسرور على قلوبهم ، لمجرد سماعهم الصوت الذي يصدر منها ، إلا أن هذه الفرحة لا تدوم كثيرا .

فبعد أن يتقن الطفل هذا الفن ، ويمارسه في كل زمان ومكان، يبدأ الوالدان بالصراخ عليه ، وينهرانه عن الازعاج : ” بكفي عاد دوشت رأسنا”.. فينشأ الأردني وهو غير مستوعب لطبيعة دوره ، هل يصفق ؟ أم يحذر التصفق،لأنه فعل غير مرغوب به ويوبخ عليه ، بعد أن كانت ممارسته للتصفيق تجلب الضحك لجميع من حوله بما فيهم والديه اللذين يعلمانه هذه العادة،فتحدث عنده حالة من عدم الاستقرار النفسي.

وعندما يدخل الطفل إلى المدرسة ، يسمح له بالتصفيق في الصفوف الأولى، تعبيرا عن حبه لمعلميه ، أو تحفيزا لأصدقائه في حال تحقيق انجاز جيد ، أو لمجرد الاجابة الصحيحية على أي سؤال .

مقالات ذات صلة

ولكن عندما يصل الطلبة إلى الصفوف العليا، لا يسمح لهم بالتصفيق ، ويزمجر بوجههم إذا صفقوا دون مناسبة أو بغير اذن ، ولا يكون التصفيق،إلا في بعض الحالات مثل المباريات الرياضية ، والمهرجانات المدرسية ،والاحتفالات الوطنية ، أوعندما يطلب منهم الخروج “يقادون” إلى الشوارع لتحية كبار الزوار، الذين يأتون اليهم،لكنهم بغير ذلك يوبخون إذا صفقوا تعبيرا عن فرح قد أصابهم ، فتترسخ لديهم حالة عدم الاستقرار النفسي .
وما أن ينتقل الطالب إلى الجامعة ، حتى تبدأ الجدية ويتلاشى معها التصفيق ، ليعود لممارسة هذا الفن ” عمال على بطال ” فور دخوله للحياة العملية لصالح المسؤول في العمل .

وكلما تقدم العمر بالأردني يكتشف أن التصفيق ثقافة يمارسها الجميع ، في مرات سلوك محبب ومرات أخرى يثير الاستياء ويوبخ عليه ، والسؤال لماذا ؟
فيأتي الجواب، انه لا يدري لماذا قام بهذا السلوك..ولكنه يتوقف ويكتشف أن كل من حوله يجيد فن التصفيق ، فمجلس النواب الذي يصفق للحكومة تارة وتارة أخرى لرئاسة المجلس،وفي أحيان أخرى يصفق للشعب الذي من المفترض أنه يمثله ، وكذلك الحكومات تجيد فن التصفيق للشعب، الذي يقبل بارتفاع الأسعار دون إبداء الرأي .

ولم يعد التصفيق مقتصرا داخل المسارح وحلبات السيرك ، بعد أن تحولت أروقة المجالس ، وما يجري تحت القبة إلى مكان مخصص للتصفيق ،وإن اختلفت الطريقة التعبيرية، والتي تكون اما أعجابا واستحسانا ، أو تعبيرا عن الرفض التام ، أو التصفيق على مضض كمتطلب للمرحلة.
لقد أصبح للتصفيق ثقافة يمارسها الجميع، وبدت تتعالى الأصوات المطالبة بتصنيف التصفيق، وتحديد درجاته ، لأنها في حالات الاصطهاج تصل إلى درجة “التسحيج” للمسؤول على أفعاله وحتى لو كانت مشينه أو لا تليق ، فقط لمجرد أنه مسؤول ، وتتجلى ثقافة التصفيق هذه عند الاستماع لخطابات المسؤولين لتصل إلى حد مقاطعته أكثر من مرة ،تماما كما يفعل “المصطهجون” والفرحون عندما يستمعون إلى مقطع من أغنية تعبر عن مشاعرهم.

ولكن بعض الغاضبين حولوا التصفيق من تحية التقدير للناجحين والمـُبدعين ، إلى نوع من أنواع التعبير عن الرفض وليس الرِضى ، وكما يمارس التصفيق لمن هم على الكراسي ، يمارس أيضا لمن غادروها ، وكل يُعبر عن ما بداخله من طريقة تصفيقة ،حتى أصبح التصفيق صالحا لجميع الطبقات والأماكن والأشخاص ، فتراه حينا شعبيا وأرستقراطيا في حين آخر ، يعبرون من خلاله اما مـُرغمين أو طامعين ، وفي بعض الحالات يتم الأستعانه ببعض المأجورين للمساهمة في عملية التصفيق .

ماذا لو فكر الأردني أن يتوقف عن التصفيق ؟ ماذا سيحدث ؟ هل سيعود له اسقتراره النفسي، ويستعيد تقديره لذاته ، والأهم تقدير الأخرين له .
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سيدتي…كلامك جميل علمونا منذُ خلقنا….ولكن الان كيف نعلم اولادنا التصفيق!!!!؟؟؟…مثلنا ام مثل الافلام الهندية والتركية ام الهاتف الذكي اعتذر عن هذا التشبيه تعلمنا الخوف مع التصفيق واليوم نعيش حالة فوضى بابتعادنا عن اساسنا بحجة العولمة ونسينا كيف نصفق ولماذا نصفق وهذا حال الجميع بلا استثناء ننظر الى نفس الهدف ونعلم اننا لن نصل اليه ولكن نبقى على امل ان يصفقوا لنا لماذا !!!؟؟؟….لا نعلم

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى