في التعليم: ثالثًا – الاجتماعيات…مجرد سرديات!

في التعليم: ثالثًا – الاجتماعيات…مجرد سرديات!

د. ذوقان عبيدات

قيل في أهداف التربية الاجتماعية: إنها مادة الهوية التي تنمي الاعتزاز بالهوية الوطنية وبتراث المجتمع، والتعريف بتاريخه ونظامه القيمي والسياسي والثقافي وغيره. وكانت مادة التربية الاجتماعية تقدم المعلومات الوطنية والتاريخية، وقسرًا المادة الجغرافية التي تعدُّ أقرب إلى العلوم منها إلى الاجتماعيات.

كانت المادة أو المحتوى سرديّا بمعنى الكلمة، حيث يتلقى الطلبة سرديات تاريخية وسرديات وطنية طويلة، وغالبًا ما كان المحتوى يركز على “حقائق ثقافية” أكثر منها حقائق تاريخية علمية!! فكل ما ينمي الهوية والاعتزاز مقبول تحت شعار نريد (بناء المواطن المنتمي) وغالبًا ما كنا ندرس معركة تمت لنزوة حاكم أو لاستغاثة مظلوم أو دون سبب، وغالبًا ما يقدم حاكم على أنه أنقذ الإنسانية، أما المقاتل فهو

إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً         تخر له الجبابر ساجدينا

فلم يحدث أن قرأنا عند خليفة أو حاكم أنه قصّر بحق مجتمعه!! فكلهم فاتحون، مؤسسون، أبطال، بانون..إلخ.

لم يحدث أننا قرأنا حركة المجتمع، أو أننا رأينا وثيقة تثبت صحة ما نكتب في مناهجنا، ولم يحدث أننا قرأنا عن هزيمة، بل تبرير الهزيمة بغلاف مقبول.

فالهزيمة نكسة، وانسحاب تكتيكي، والحاكم ينزل على الأعداء كالصاعقة، غمرونا بحقائق ثقافية غير حقيقية مثل عنترة والزير سالم وآخرين.

ما أحوجنا إلى قراءة تحليلية للتاريخ، لنعرف لماذا تتم النزاعات على السلطة، ولماذا تآمر ابن على أبيه وأخ على أخيه!! ما أحوجنا إلى معرفة ما يترتب على الحدث التاريخي من مترتبات قريبة وبعيدة!  ما أحوجنا إلى معرفة متى نصالح ومتى نرفض ومتى نسالم ومتى نقاتل!! ما أحوجنا إلى معرفة دور المواطن في الهزيمة والانتصار! ما أحوجنا إلى منهاج يعلم البحث التاريخي والوطني والنقد التاريخي. والتحليل التاريخي.

ما أحوجنا إلى منهاج يقدم لنا حركة الفكر والمنطق والفلسفة، ودور المواطن والمجتمع في صناعة الفعل الحضاري!!

وهل من المعقول أن ينتهي الطالب من المدرسة دون رؤية وثيقة تاريخية واحدة!!

فالطلبة هذه الأيام ليسوا كطلبة زمان. إنهم لا يصدقون أن احتلال الجزائر كان بسب إشكال شخصي بين والٍ وسفير، وأن جيشًا غادر العاصمة صباحًا ليثأر لسيدة أرسلت نداء للخليفة!!

ما أحوجنا إلى منهاج يعرفنا بعلاقة الإنسان مع البيئة ومتطلبات نجاح هذه العلاقة! نحتاج منهاجًا يصف علاقة بالبيئة علاقات متبادلة باحترام كامل كما هي العلاقات مع البشر! نريد أن يعرف الأطفال أن العلاقة مع البيئة ليست صراعًا انتهى بتفوق الإنسان! نريد قيما بيئية إيجابية تعامل البيئة ككائن حي حساس له مشاعر!

وباختصار، نريد باحثين – مفكرين – محللين! ولن يكون ذلك إذا كانت المناهج تُعد من غير إشراف تربوي!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى