في الأخلاق ومفاهيمها / د. عمار سليم الخوالده

في الأخلاق ومفاهيمها

الأخلاق ركن أساس من الدين (أي دين) لكنها ليست حكرا عليه … لا يكون الانسان متدينا (على الحقيقة) ما لم يكن خلوقا “لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ” – حديث شريف … والدين يهذب النفس ويضبط ايقاعها إن حادت … لكن هنالك الكثير من “الخلوقين” غير المتدينين … فالأخلاق مفهوم انساني أولا ونحن نظلم الناس عندما نحصر الأخلاق بالدين فننفي “تخلقهم” لانتفاء تدينهم … وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم “انما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق” دليل أن الأخلاق ومكارمها سابقة لبعثته عليه السلام فجاء ليتممها لا “ليخترعها” …
لقد آن لنا أن نقلع عن معزوفة حصر الأخلاق بالدين ففي ذلك تنفير من الدين لاصحاب الأخلاق الحميدة من غير المتدينين، وهنالك مجتمعات كثيرة غير متدينة لكنها تسطر نماذج عظيمة في منظومات أخلاقية متميزة … فبدل أن يرهق بعض منا أنفسهم وغيرهم بعبثية حصر الأخلاق بالدين ليجعل هؤلاء من أنفسهم نماذج حية للاخلاق الحميدة ممارسة لا قولا فيكونوا خير دعاة “للدين” باخلاقهم لا بمواعظهم وحسب.
لا شك أن الذي وقع الايمان في قلبه لين المعشر سمح الوجه نقي السريرة لكن ربما يكون لكل منا تجربته … فكم منا تعامل مع “متدينين” لم ينعكس ايمانهم على أخلاقهم (وربما كانوا قلة) … ثم كيف نفسر إمتلاء دور العبادة بالناس في الجمع والآحاد حتى إذا سعيت في الأرض سائقا أو متسوقا أو طالبا حاجاتك في الدوائر الرسمية وغير الرسمية هالك ما تعانيه من تدن في الذائقة عند بعضهم وفقر في التهذيب … ألم يكن بعضهم في الصفوف الاولى؟ ولم ننس أن “ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق …” – حديث شريف
بقي أن أقول أن كثيرا منا يحصر الأخلاق بالعلاقة بين الجنسين أو بتعاطي “الخمر” أو المخدرات أو فيما تلبسه المرأة وهذا منظور سطحي سقيم فيما أرى … فالأخلاق منظومة متكاملة غير حصرية إذ الصدق والوفاء بالوعود واحترام الوقت وكف الأذى اللفظي والحسي عن الناس والمحافظة على نظافة شوارعنا وأحيائنا واحترام خصوصيات الناس وعدم حشر انوفنا فيها كلها من الاخلاق … ناهيك عن عدم الاعتداء على ممتلكاتنا العامة بالتكسير والحرق وان وقع علينا حيف … فوقفة احتجاجية سلمية أبلغ بكثير من أن ننقض غزلنا من بعد قوة انكاثا …
ثم كيف لمن يسيئ لزوجه مثلا أن يدعي الأخلاق أو التدين والرسول (ص) يقول أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِه” … وكيف لمن لا يحسن معاملة بناته أو يفضل عليهن الأولاد أن يحدث الناس عن فضائل الاخلاق وكيف لمن يعتدي على حرية الآخرين بنفث سموم سجائره في البيوت أو وسائل النقل العامة أن يدعي احترام الآخرين وهو يؤذي الناس ويرهقم بما لا يحتملون إستنشاقه
أما أردأ الناس أخلاقا فيما أرى فهو من ولي مسؤولية ثم لم يصنها أو أنه سخرها لمنافعه الشخصية أو العائلية أو أنه رعى فسادا أو هيأ له السبل أو سكت عمن عاث بمقدرات الناس وممتلكات الوطن أو ساهم في تزوير إرادة الناس عبثا بصناديقهم الانتخابية أو قيد حرية المواطنين حبسا أو سجنا دون حكم قضائي مدني شريف … “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه …” حديث شريف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى