القرالة..يوقد شجى الموت ودلالات مراثية الانسانية ..

سواليف

كتب ا.د حسين محادين.
قراءة في الكتاب : #المراثي #الشعبية النسويّة في #الأردن.
.جمع وتحليل الباحث د. معين خليف القرالة.
الناشر: وزارة الثقافة الاردنية2021، في 135ص.
لايستقيم هذا العرض دون التامل في غلاف الاصدار لانه جزء متمم له ولآفاق معانيه، فالغلاف اسود اللون، تظهر فيه صورة احدى جداتنا الصافنة والمتأملة في الأفق الغامض، إذ تُسند كفها الموشوم بوضوح الى فكها ترابطا مع ظهور واضح في صورتها لتجاعيد وجهها الناطق بكبر سنها غير المعلوم رقما ، فيوحِ هذا الغلاف الموفق بالكثير من التطابق بينه وبين محتوى هذا الاصدار المميز والنوعي للمراثي الشفوية ؛ فمحتواه غني لغة وبلاغة تعابير، وتفاصيله مترابطة العناوين فكرة ومنهج بحث.
1- أن هذا الإصدار برايي العلمي قد امتاز وتفرد بوفاء علمي نادر لذِكر وذاكرة ابرز طقوس حياتنا الشعبية في محافظة الكرك العريقة، وهو الموت، ودلالات الاكتواء به بايلوجيا بكل ما يعنية من مواجع الفقد ،وطقوس الدفن، والوان الزي للدافنين والحزانى اثناء وبعد دفن المتوفى، سواء اكان المتوفى من الاقرباء او الاشخاص العامين الاخيار/ الفرسان/ القادة او من مصلحي ذات البين الذين احتلوا مساحات واسعة من ذاكرة واهتمامات وطموحات الرأي العام المحلي والوطني .

2- لا ضير من الاشارة هنا الى نجاح الباحث اللافت في تحليله للكثير من مراثي الموت ودلالات رموزها الجمعية التي جمعها من الميدان عبر مقابلات متخصصة مع الجدات وكبيرات السن في الكرك/مؤاب اي استخدامه للمنهج الكيفي علميا، بعد اطلاعه على ما توافر كم ادب سابق عن الموضوع رغم شحه، وبالتالي تمكن الباحث من تصويب بعض ما ورد قبلاً عن تصنيفات المراثي الشفوية، وتقعيده المدعم لمعانيها لغة، واصطلاحا، ومعايشة ميدانية لبعض هذه الممارسات كذلك، الامر الذي منحه القدرة العلمية على تصحيحه لبعض ما ورد في اصدارات سابقة اتسمت بالوصفية المتسرعة غير الدقيقة اثناء تناولها لمراثي الموت.
3- يُحسب لهذا الاصدار الهام ربطه الموثق، وتوظيفه كمؤلِف ايضاً للرموز الاجتماعية والتعبيرية للمراثي والحزن على الفقيد، مثل عدم ارتداء الرجال للعُقال مخالفين الاعتياد السائد تعبيرا منهم عن حزنهم الكبير ، او قيام النساء بتعفير رؤوسهن بالتراب او الرماد، وربطه لهذه الطقوس القديمة ، ربطه وتفسيره لهذه الممارسات الجمعية مع اطروحات ونظريات علم نفس اجتماعي، وعلمي اجتماع الادب والاناسة، راصدا من خلاله سلوكيات النساء الكركيات”مجتمع الدراسة النسوي تحديدا، مسيحييه،مسلميه،النساء الكركيات حاليا اللواتي جئن اصلا من فلسطين” وهذا تميز مضاف ربط بين الكرك وفلسطين في هذا الحقل الحياتي والبحثي في آن .فالموت بالمعنى الإفنائي للإنسان عادة ما يوقد الشجى في الذات الفردية والجمعية والأشمل، مُشكلا تاويلاته الصادمة فكرا وسلوكات في لحظات وايام عصيبة وبذاكرة استثنائية مختلفة كليا عما قبلها من اوقات واحاسيس واجناس متعددة من التعبير والتي اوردها المؤلف بظقة وبالتفاصيل والامثلة” النعي،النواح،والمعيد” وثلاثتها تعرِض وتوثق لمعاني الفقد من حيث كيفية حدوثه ، مكانة ومآلات المتوفى رجلا ام أمراة، متزوجا كان ام اعزبا وبترابط منطقي دقيق.
4- باجتهادي تُمثل هذه الدراسة مؤئلا معرفيا هاما لكل من الآت :-
ا- للمتخصصين وطلبة العلم والقراء المهتمون بهذا النوع النادر من الدراسات في حقول الأدب الشعبي.
ب- إسهاما محمودا داعما لحُراس الذاكرة والثقافة الحياتية في الكرك والوطن بشقيهما المادي وغير المادي، فالمراثي النسوية جزء اساس من طقوس دورة الحياة كما يسميها علماء الانثروبولوجيا “علم الانسان/او الاناسة” لذا فهي تمثل خصوصية هويتنا المحلية والإنسانية عبر الاجيال ، ومن الواجب توثيقها بعلمية كما فعل مشكورا د.معين.
ج- اضافة علمية ومعرفية ثقافية لحضور واهمية المرأة في تعبيراتها العاطفية الواخزة والمتدفقة بعفوية شبه مطلقة وغير منضبطة غالبا اثناء التعبير عن حزنها ورثيها للمتوفى، مقابل تمتع الرجل بنوع من الهدوء والوجع المهيب مع وامام قهر الموت لانسانيتنا رغم انه حق على كل منا..
5- استفاد الباحث من موائل علمية عديدة استند اليها في سعية الناجز لرصد وتحليل مضامين ونصوص المراثي النسويّة الشفوية والسلوكية في محافظة الكرك كجزء من المجتمع الاردني واصل لها رؤية ومعةنِ متوالدة التعابير والدلالات.
. رغم ان الحزن والتعبيرات الموجعة والمرتبط بالموت كنهاية فعلية لعناوين الحضور والتفاعل الوجاهي مع الفقيد/ة واحدة بالمعنى الانساني.
،6- اظهر الباحث وفي واحدة من استنتاجات بحثه اللافتة وجود علاقة متوازية بين مكانة المتوفى، ومدى تمتعه بصفات الفروسية، الشِيخة،الكرم، وبالتالي مع حجم ونوعية الرثاء المرافق لموته من قِبل النواحات عليه،كما اظهر ايضا ان ثمة فرق واضح بين ان يكون المتوفى قد رحل جراء جريمة قتل/او ثأر، وبين من توفي بصورة طبيعية لانتهاء أجله؛ وهكذا كان المثال الابرز في الرثاء والنواح عند الكركيات، الذي قيل واستمر متداولا للآن على سبيل المثال، بعد وفاة كل من الملك حسين،وهزاع المجالي، ووصفي التل رحمهم الله.
7- ان هذا الكتاب قد اكد ضمنا وبرايي العلمي ، ان موضوعات المرأة ونبُل حضورها بحثا وسلوكات تنويرية ،وعناوين بحث ونحن بحاجة ماسة لها ،يجب الا يقتصر على موضوعات الحرية بالمنظور الغربي والاتفاقيات المعولمة فحسب، وتعلمنا نماذج الادب اللاتيني والفريقي الاشهر في المحتوى والترجمات الى اللغات الاخرى ،انه من المتعذر علينااذ لايمكن ان نكون عالميي الشهرة اذا لم لم محليي الطرح والتمثل ، لذا أذكًر بأن لدينا ضرورة لتناول اسهامات المرأة المميزة الظاهرة منها والضمنية على الصعيدين المحلي والوطني، خصوصا ما يرتبط بعديد ادوارها الانسانية والنوعية كالتربية، والمراثي، والحداء، والالهام للرجل التي لم تُدرس بهذه النباهة التي التقطها الباحث القرالة، وتحديدا أهمية وتأويلات مثل هذه الادوار في كل محافظات الاردن الحبيب.
اخيرا؛ لابد من الاعتراف ان هذه الاضاءة التنويرية ازاء هذا الاصدار لا تغني مطلقا عن قراءاته واغنائه حوارا ومضامين تفكر وانصاف لقيمته في اغناء هويتنا الوطنية والانسانية كاردنيين…فهل نحن فاعلون.
قسم علم الاجتماع-جامعة مؤتة.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى