الإصلاح السياسي / د. هاشم غرايبه

الإصلاح السياسي

أغلب شعوب العالم، مقتنعة بحكوماتها، وسواء كانت موافقة على سياساتها أم تعارضها، فهي لا تطالبها بتغيير المنهج، بل بوضع خطط وتطبيق برامج فيها نفع لها أكثر، وتحافظ على مصالحها، وتحقق لها الرفاه، لكنها لا تطالب بالإصلاح، لأن نظامها السياسي صالح.
الشعوب العربية هي فقط من دون أهل الأرض تطالب أنظمتها بالإصلاح السياسي، ولوسألت شعب أي قطر عربي عن أبرز مطالبه، ستجدها جميعا متفقة على ثلاث مطالب، جميعها ليست تعجيزية، ولا يحتاج تحقيقها معجزات ولا عصي سحرية، على رأسها الإصلاح السياسي، و يليها مكافحة الفساد، ثم توفير الحريات العامة الأساسية.
من المهم هنا ملاحظة التسلسل، لأن مطلب أي شعب دائما ليس سياسيا، أي لا يهمه إلى من يؤول الحكم، فلا توجد سلالات إلهية تستحق الملك وآخرون رعاع لا يحق لهم اعتلاء الحكم، بل هنالك من هم أجدر بالسلطة من غيرهم بحسب كفاءتهم وإخلاصهم لواجبهم، فما يهمهم ممارسات الحاكم الصالحة، واتباع المنهج الذي يحقق المصلحة.
كما يجب أن نلاحظ أن المطلب الأساسي للمواطنين دائما، هو أن توفر السلطة سبل العيش الكريم لهم بما يحقق احتياجاتهم، ويحفظ لهم كرامتهم الآدمية التي منحهم الله إياها، فإن حقق لهم حاكمهم ذلك لا أكثر ولا أقل أحبوه، ولا ينازعونه أمجاد السلطة ومغانمها.
بناء على ما سبق، هنالك سؤالان يطرحان نفسيهما بقوة:
الأول: لماذا الشعوب العربية تنفرد بمطالبة حكامها بالإصلاح السياسي؟، الإجابة المنطقية هي أنه بما أن الصالح لا يحتاج الى تصليح، لذا فهي تعتقد أن أنظمتها غير صالحة، وكلفة الإصلاح أقل بكثير من كلفة الإستبدال.
السؤال الثاني ويستتبع الأول: طالما أن هذا الأمر معروف على نطاق واسع، فهل الأنظمة عميّة عنه؟
الإجابة: هي تعرفه بدلالة أنها جميعا تضعه على رأس وعودها للمواطنين، بل ويبلغ النفاق قمته عندما تجد رأس النظام يطالب به.
إذاً..فما الذي يمنع الأنظمة من إصلاح أمرها بذاتها تجنبا لحلول راديكالية مؤلمة؟.
بما أنه لا يمكن لحاكم أن يرفض أن يكون الزعيم المحبوب الذي يفتدى بالمهج والأرواح، لذا فلا شك الإجابة على ذلك تحتاج الى تفصيل:
1 – كافة الأنظمة نزلت على كرسي الحكم بالمظلة، وليس هنالك حاكم جاء بالإنتخاب الحر، لذلك فهو يعلم أن بقاءه مستحوذا على السلطة مرهون برضى صانع المظلات، فهو من بيده أمر بقائه أو استبداله، لذلك لا يهتم برأي مواطنيه، فأدواته القمعية كفيلة بتسوية الأمر إن سخطوا، وأدواته المصنوعة من الإنتهازيين كفيلة بتدبيج المدائح والأهازيج التي تمجد الزعيم المفدى والقائد للأبد، إن سكتوا.
كما أنه لا يهتم إن وصم بالإستبداد أو بالطغيان، فالرأي العام الدولي يصوغه الإعلام المسيطر عليه من قبل صانع المظلات ذاته.
2 – الإصلاح يعني تغييرا في سياسة الحكم بالإلتزام بقيم الديمقراطية، وهذا يوجب الخضوع للمساءلة، مما ينتقص من مكتسبات الحاكم الإلهية، فهو مُنزّهٌ لا يُسأل عما يفعل، كما يتطلب تغييرا في نمط الأداء، في تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، مما يقلل من مكتسبات المقربين الذين يشكلون قوام أدوات النظام القمعية والإعلامية.
3 – ولي أمر الأنظمة (الغرب الإمبريالي) يعتمد النفاق في سياساته، فهو يطالب الأنظمة بالإلتزام بقيمه الليبرالية، وبحقوق الإنسان، وما الى ذلك مما يمارسه فعليا مع شعوبه، لكنه لا يرضيه أن تفعله ذلك بشعوبها أنظمة، قامت أساسا لإدامة هيمنة الغرب على مقدرات هذه الشعوب، فتطبيقها للديمقراطية إذاً ضار بمصالح الغرب، لأنه سينتهي حتما بتحقيق مصالح الشعوب العربية النقيضة.
وهكذا نستخلص أن من ينتظر أن تبادر الأنظمة الى الإصلاح طوعيا فهو واهم، وما حديثها عن ذلك إلا من باب التخدير، فما الحاجة لذلك إن كان القاضي راضي!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى