فوز قطر بين السياسي والرياضي / د. خالد حسنين

فوز قطر بين السياسي والرياضي

تابعت مضطرا مباريات كأس آسيا التي كانت مصبوغة بالصراع السياسي القائم بين دولة قطر من جهة، والدول الأربعة (الشقيقة) المحاصرة لها من جهة أخرى، وقد لعب الفريق القطري باستراتيجية (الحياة أو الموت) من أجل تحقيق انجازات فارقة وإرسال أكثر من رسالة، لعل أقلها أهمية ما يتعلق بالرياضة، وقد تحقق له ذلك.

لم تتمالك دول (الحصار) كما يسميها القطريون نفسها عندما أظهرت للعيان حجم الغيظ من التقدم القطري في البطولة، بدءا من الفوز على فريق السعودية (العريق) ومرورا بفريق الإمارات المخضرم، وانتهاء بالفوز باللقب، وسط شهادة الجميع باستحقاق الفريق القطري ذلك الانجاز. ووصل الغيظ بأحد المذيعين المصريين إلى إخراج قطر من انتمائها العربي، والطلب من مشاهديه دعم الفريق الياباني (الصديق) في المبارة النهائية.

الخلاف مع قطر بدأ قديما بسبب المكانة الاستراتيجية التي استحوذت عليها قطر منذ تولي السيخ حمد مقاليد الحكم، وبما يتجاوز حجمها المقبول خليجيا، فقناة الجزيرة مثلت ظاهرة إعلامية وعلامة فارقة في الاعلام العربي بشكل عام، ولم تستطع كل المحاولات العربية عامة، والخليجية خاصة، محاصرة تلك الأداة، التي تجاوزت جرأتها قواعد الاعلام العربي الرسمي كثيرا، وأصبحت منافسا للاعلام العالمي. بل استمرت قطر بتفريخ عشرات المنصات الاعلامية الاخرى، وتبني مجموعة كبيرة من الاعلاميين والمحللين في سبيل الوصول إلى امبراطورية اعلامية حالية يصعب مواجهتها.

مقالات ذات صلة

ولعبت قطر أيضا أدوارا جريئة في المصالحات العربية والفلسطينية والعالمية، واستضافت عشرات المؤتمرات التي تصب في بناء موقع استراتيجي دولي لها في هذا المضمار، ومما زاد طين الخلافات الخليجية تمكنها من الترشح لاستضافة بطولة كأس العالم القادمة لكرة القدم، مما ساهم في مراكمة الغيض من هذا الكيان الذي تمرد على أسياده (الاشقاء).

ووصل التمرد القطري بالأدوات السابقة إلى (أولياء النعم وحماة الديار) من أميركان ووكلائهم الاسرائيليين، فبالرغم من وجود قاعدة العيديد الأميركية في قطر، والعلاقات المفتوحة من قبل النخبة السياسية القطرية مع الكيان الصهيوني، إلا أن الأدوات الاعلامية القطرية كانت الأقرب إلى متابعة تطورات القضية الفلسطينية، ومتابعة ثورات الربيع العربي (بل وترشيدها ودعمها)، أما الشعرة التي قصمت ظهر البعير فتمثلت في مساهمات قطر في مواجهة حملة ترمب والجمهوريين في الانتخابات الأخيرة، عبر إعلام منحاز (كما يصفه ترمب) ودعم خفي للديمقراطيين.

إذا الغضب من قطر كان مبررا، فقد كان تنازل القطريين عن أدواتهم الاستراتيجية شبه مستحيل، ومحاولات الوصول إلى حل وسط صعب للغاية، فكان لا بد من الحصار والمقاطعة. ولم تجد قطر ردا أبلغ على حالة الحصار من بوابة الرياضة، ففي ظل انسداد الافق السياسي في كل من الامارات والسعودية، تبقى الرياضة هي المجال المتاح للحديث الشعبي، وللأسف فإن السعودية والامارات حشدتا لمعركة كأس أسيا جميع العنتريات التي تخطر بالبال، وجاءت بدافع إذلال قطر (تلك الدولة التافهة بحسب إعلامهم) وإثبات أنها غير مؤهلة لاستضافة كأس العالم.

ولكن على عكس ما جرت بها رياح الدول المحاصرة، جاءت العاصفة القطرية، فقلبت الموازين، وأثبتت أن قطر دولة موجودة في المنطقة، وتستطيع أن تلقن الكبار درسا يصعب تجاوزه بسهولة.

أتوقع أن يكون تأثير هذا الفوز سلبيا للاسف على المستوى شعوب دول الخليج، وتعمق حالة العداء لقطر، لأنها شعوب أدمنت الحديث في الرياضة، وهو الحديث الوحيد المتاح لهم، ولكنني بالمقابل أتوقع أن هذا الفوز سيساهم في تغيير مواقف النخب السياسية، وتعديلها باتجاه ايجابي، بعد أن استطاع (الخصم) القطري اثبات نفسه على أرض الواقع، وعلى ارضهم وبين جمهورهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى