فلسطين: إثنان وسبعون عاماً ما بين المنطوق والمکتوب

فلسطين: إثنان وسبعون عاماً ما بين المنطوق والمکتوب
شبلي العجارمة

هي الهزيمة وحدها,بلا ملح الأعذار,بلا مقبلات الفضيحة الصريحة,بلا توابل وبهارات التبرير ,هي الهزيمة بکل أبعادها الأربع الموت والتشريد والإذلال والاعتقال ,هو وجه التاريخ المشوه بکل مرايا الأرض وعيون الأمم,نصف شعبٍ محاصر ونصفه الأخر مهجرُُ ما بين شريدٍ وطريد تحت بند اللجوء ,الحصار يقضم ما تبقی من أکذوبة الصمود لشعبٍ غالبية من صمدوا منه قابعون خلف أسوار السجن وخيالات أجسادٍ تتناثر علی أسياج الاعتقالات المجانية ,حتی المجازر صارت مجرد عناوين وذکری سنوية لقانا ودير ياسين وصبرا وشاتيلا,تصوروا معي كيف يصبح للموت ذاکرة علی رزنامة الجدار المحتل بتاريخه وصاحبه وقلم الکتابة لتلك الذکری الموجعة!.
إثنان وسبعون عاماً يتم اختزال الحکاية بعنوانٍ بسيط ” النکبة” ,صارت النکبة مغزلاً للشعر والنثر والکلام ,لقد أعددنا ما استطعنا من قوة الثرثرات ومن رباط الکلام لنرهب شعرة في ناصية العدو المحتل ولم يسعفنا الکلام ولن تمنحنا الثرثرات أي مساحة لذلك وفشلنا حتی في الکلام ,ألف شجبٍ وألف استنکار يقابله توقيع مهاجرٍ يهودي من روسيا بجرافةٍ تلتهم بساتين الزيتون من أجل تشييد مستعمرةٍ جديدة لمهاجرٍ غير شرعي لا يملك سوی صك النصر والقوة علينا ,لنکن أكثر صدقٍ مع أنفسنا علی الأقل ,يجب أن لا نجامل مرايانا مثل ديوك الدجاج التي تسافد القطيع داخل الخم بريحٍ عابرة تعبر فوق الريش ثم ننتفش بفحولتنا التي ستنتج بيضةً هشة الجدار .
إثنان وسبعون عاماً ولا شيء سوی اليأس والخذلان لشعبٍ تأمر الجميع علی حقله وخبزه وجغرافيته بعد أن سلبناه تاريخه وبشريته وأٛمنه ,إثنان وسبعون عاماً ونحن نحمل موت الشعب الفلسطيني مجرد رزمة ورقٍ بين دفتي مجلدات تحمل عناوين الرياض وأوسلوا والأرض للمحتل المجرم مقابل السلام للشعب الأعزل ,إثنان وسبعون عاماً ونحن نتحلق حول ألف طاولةٍ مستديرة في ألف عاصمةٍ لليهود ولم نخجل من کذبنا الطويل علی شعبٍ يعاني الوجع الأطول بين شعوب الأرض.
إثنان وسبعون عاماً مرت علی غربة الأقصی ووساٸل الإعلام العربية والإسلامية لم تصل لصيغةٍ توافقية بعد عن تسمية الاحتلال کياناً أم صهاينة أم دولة أم عصابة أم لصوص,إثنان وسبعون عاماً ونحن نقدم النصر علی شاکلة صندوقٍ كرتوني مترعُُ بالمعلبات لنٶکد جوعهم المستمر حد الموت والتلاشي,إثنان وسبعون عاماً ونحن نضمد جراحاتهم بعقاقير الغرب الذي لم تجف رٶوس سکاکينهم ومشارطهم السياسية من دم هذا الشعب ,إثنان وسبعون عاماً من التحليل والتلفزة والنظريات والمٶتمرات ونلهث خلف احتمالات التعقل لبيريز وشامير ونتنياهو أن يکتفوا بما أخذوا ونطوي القضية من جذورها !.
وأنا أحاول مس الجرح الفلسطيني الغاٸر هذا اليوم لأمس النکبة العابر فقد خجلت من نفسي وأنا أکتب من غرفة نومي بنفس القلم الذي ينتظر أوامر زوجتي لکتابة قاٸمة الطلبات لماٸدة الإفطار الکبيرة هذا المساء ,فأنا لا أختلف عن ساسة العرب الذين يغمزون بعينهم اليمنی لجنرالات الاحتلال ويتباکون علی شاشات الإعلام بعينهم اليسری ,مثل أولٸك الذين کتبوا اتفاقية وادي عربة والغاز والسلام المنقوص وعادوا ليکتبوا البراءة والتفجع من جديد.
فلسطين تغرقها الجراح وينهکها الموت اليومي والکتابة خلف جدران الدم أبداً لا تقرأ, ما بين نص النثر برصاصة القلم وموت فلسطينيٍّ برصاصةٍ کتبها عدوُُ محتل علی صدره هنا نجد الفرق الکبير ما بين الصفحة البيضاء والصدر الذي صار أحمراً وما بين رصاصة الفحم ورصاصة الحديد.
نحن من أجهزنا علی ما تبقی من حلم الرجوع بالرسم والکتابة وتسابقنا علی تحرير رواٸع النصوص وجياد الثرثرات ,نفرك أعيننا حزناً علی نشرات أخبار الضفة وعندما نغلق التلفاز نقول لبيت المقدس رب يحميه .
الکتابة في زمن الوجع وجع أکثر ,والألم العابر ضربٴُُ من الدربة علی البلادة ,ففي کل عامٍ نتفيأ ظلال الموت والإذلال والاعتقال تحت عنوان النکبة ولا جديد يذکر ولا قديم يعاد يا ولدي ,إثنان وسبعون عاماً وهذا الشعب يسافر إلی جهة الريح ولا زال الحصان وحيداً يا درويش !.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى