دولة الاتحاد الخليجي / محمد نغوي

دولة الاتحاد الخليجي
كثيرة هي الخرائط التي يتم نشرها للشرق الأوسط الجديد، لعل أشهرها تلك التي عرضها الضابط الأمريكي Ralph Peters ونشرت في مجلة القوات المسلحة الأمريكية سنة 2006م، وعلى الرغم من عدم تبني البنتاغون لتلك الخارطة، إلا أن حلف الناتو اعتمدها في كلية دفاعه لاطلاع كبار ضباط الحلف عليها، والخارطة المذكورة ليست الأولى ولم تصبح الأخيرة، فقد نشر قبلها وبعدها عدة خرائط، وللعلم فإن رسم الخرائط الافتراضية ليس مقصور على منطقة الشرق الأوسط، فكل أقاليم العالم، يتم في المنتديات العسكرية عرض خرائط افتراضية لكيفية اعادة تقسيم حدودها، حتى الولايات المتحدة نفسها هناك خرائط تقسيمية افتراضية لها، وكذلك روسيا والصين والدول الأوروبية.
قد تكون النظرة سلبية لمثل هذه الخرائط، وقد يقوم البعض بتحميلها أكثر مما تتحمل، على الرغم من أنها مجرد وسيلة لاثارة نقاشات افتراضية بهدف إيجاد حلول للصراعات الاقليمية التي أساسها يرجع إما إلى العوامل الاثنية أو الدينية والمذهبية. وقد يؤيدها البعض وقد يعارضها البعض الآخر، والسبب وراء التأييد أو المعارضة مبني على قراءة الحدود الجديدة المرسومة والمفترضة في الخارطة، حيث أن تلك الخرائط إما أنها تزيد مساحة بعض الدول وإما أنها تقلص أو تفتت بعض الدول إلى دويلات أصغر.
من السذاجة الاعتقاد بأن الذين يرسمون هذه الخرائط هم أناس يمسكون قلماً ويبدأون برسم الخطوط عشوائياً على الخارطة، كما أن من السهولة أيضاً ربط تلك الخرائط بمؤامرات دولية تحاك ضد دول إقليم معين، ولكن الحقيقة هي أن وراء كل حد يرسم على تلك الخرائط تحليل للعوامل الاثنية والدينية والتاريخية والجيوسياسية. ومن التحليل الأولي للخارطة المذكورة للضابط الأمريكي على سبيل المثال، يلاحظ أنه اعتمد في رسمها على الأخذ بعين الاعتبار الجانبين الاثني والديني.
في الجانب الاثني مثلاً، فقد رسم حدود دولة كردستان المفترضة، حيث اشتملت على كافة الأراضي التي يشكل الاكراد فيها الأغلبية، وهي المناطق المتاخمة للحدود بين تركيا ايران والعراق وسوريا، وهذه مساحتها تزيد عن 300 ألف كم2 وعدد سكانها يزيدون عن 30 مليون نسمة غالبيتهم العظمى من الأكراد، ومن الناحية التاريخية لا يستطيع أحد ان ينكر بأن الأكراد في هذه المنطقة يعيشون في وطنهم القومي التاريخي الذي وجدوا فيه منذ آلاف السنين.
ومثال آخر أيضاً على الجانب الاثني هو أنه وحد جمهورية أذربيجان مع اقليم أذربيجان الإيرانية، حيث من المعلوم أنه يوجد أذريون في إيران أكثر من ضعفي عددهم في جمهورية أذربيجان ،الدولة المستقلة، والاذريون الإيرانيون يعيشون في شمال غرب إيران قرب حدود جمهورية أذربيجان.
أما في الجانب الديني والطائفي، فقد قسم كل من العراق وسوريا إلى دويلات سنية وشيعية وعلوية، على الرغم من أن كل هؤلاء من ناحية الاثنية هم عرب، ولكن بما أن الصراع الديني المذهبي بين هذه المجموعات، يغلُب على الجانب الاثني الذي كان يفترض أن يوحدهم، فإن حل مشكلة هذا الصراع من وجهة نظره هو بجعل لكل طائفة ومذهب دولتها الخاصة.
وعودة إلى عنوان الموضوع، فعلى الرغم من أن الخارطة المذكورة قامت بتقسيم بعض دول الجزيرة العربية إلى كيانات أصغر، إلا أن تقسيمها ذلك كان أبعد ما يكون عن المنطق والأسباب الموضوعية، وكان الأجدر أن يكون العكس بتوحيد بعض تلك الدول، على سبيل المثال دول مجلس التعاون الخليجي، السعودية والامارات وقطر والبحرين والكويت، باستثناء سلطنة عُمان التي نأت بنفسها عن كثير من المبادرات الخليجية لأسبابها الخاصة، فإن لدى تلك الدول الخمس كل الأسباب الاثنية والجيوسياسية والاقتصادية والتاريخية لتتوحد في كيان واحد، وخلال السنتان الماضيتان شاهدنا تحالفاً ودعماً متبادلاً بينها وصل إلى درجة التوافق السياسي الكامل تجاه القضايا والتحديات التي تواجهها، والتحالف العسكري الفاعل في المواجهات العسكرية التي خاضتها، فهذه الدول الخمس بعد أن لمست تراجع الدور الأمريكي في المنطقة في مقابل زيادة النفوذ الايراني فيها، لم تجد أمامها سوى أن تتوحد في مواقفها سياسياً وعسكرياً، وبخاصة أنها كلها متقاربة اقتصادياً من حيث مستوى الدخل ومكونات اقتصادها.
إن كل من السعودية والامارات والبحرين وقطر والكويت، مرشحة وبقوة إلى تشكيل كيان سياسي موحد يجمعها، ولا يوجد أية أسباب قوية أو منطقية يمكنها أن تحول دون ذلك، وبخاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية المشتركة بين هذه الدول، أما الاطار السياسي الأمثل الذي يمكنه افتراضه للكيان الجديد، فيمكن أخذ تجربة الامارات العربية المتحدة كمثال ناجح للاتحاد الفدرالي الذي يمكن توسيعه ليشمل الدول الخمس، حيث يمكن لكل عضو في الكيان الجديد أن يدير أموره الداخلية عن طريق حكامه وحكومته المحلية بما يراه مناسباً لمصلحة سكانه، أما في الأمور الخارجية فيتم تشكيل مجلس اتحادي وحكومة اتحادية من كافة الأطراف لقيادة الدولة، كما أن توحيد القوات المسلحة لن يكون صعباً في ضوء تشابه تركيبة وبنية وتسليح تلك الدول، هذا بالطبع إلى جانب اعتماد عاصمة اتحادية وعلم ونشيد وطني وعملة وطنية . . الخ، ولا شك بأن مثل هذا الكيان السياسي الجديد يصب في مصلحة كل أعضاءه. وهو لانجازه لا يحتاج إلى أن يقدم أي طرف من أطرافه تضحيات كبيرة، وكل ما يحتاج إليه هو توفر الإرادة السياسية لإنجازه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى