رسالة إلى كل مُبْتَلى– ماجد دودين

#رسالة إلى كل مُبْتَلى

#ماجد_دودين

الابتلاء سُنّة ربانية: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء من الآية:35] والله عزَّ وجَلّ يَبتلِي مَن شاء مِن عباده بِما شاء مِن الضرّاء والسرّاء. فمَن صَبر ورضي، فله الرضا، ومَن تسخّط، فعليه السّخط.

اعلم أن كل مصيبة تأتي فهي بإذن الله سبحانه، ووفق قدر معلوم وقضاء مرسوم وحكمة أزلية، وكن على يقين أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.

لا تجزَعنَّ لِمَكْرُوهٍ تُصَابُ بِهِ *** فَقَدْ يُؤدِيكَ نَحَوَ الصِّحَةِ المرضُ

واعْلَمْ بِأنَّكَ عَبْدٌ لا فِكَاكَ لَهُ *** والعَبْدُ لَيْسَ عَلَى مَولاهُ يَعْتَرِضُ 

ومَن ابْتُلِي؛ فليتذكّر أحوال الأنبياء والصالحين، وما مرّوا بِه مِن ابتلاء. وأن يَعلم أن البلاء الذي يُقرِّبه إلى الله خير له مِن النِّعمة التي تُبعده عن الله، وتُنسيه مَولاه. والله عَزّ وَجَلّ إذا قَضى قَضاء أحبّ أن يُرضَى عن قَضائه. قال ابن القيم فيما يتعلّق بالمصيبة: “ومِن علاجها: أن يَعلم أن أنفع الأدوية له مُوافقة ربه وإلَهَه فيما أحبه ورَضيه له، وأن خاصية الْمَحبّة وسِرّها: مُوافقة المحبوب؛ فمن ادّعى مَحبة محبوب ثم سَخِط ما يُحبه وأحب ما يَسخطه؛ فقد شَهد على نفسه بِكَذِبه، وتَمَقّت إلى مَحبوبه”.

قال صلى الله عليه وسلّم:” احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه واعمل لله بالشكر واليقين واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً “

“وأنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ”؛ فالصَّبرُ مِفتاحُ كلِّ خيرٍ مع إخلاصِ النِّيَّةِ للهِ، “وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسْرًا”، أي: أنَّ رَحمةَ اللهِ بعِبادِه قريبةٌ، فيَجعَلُ مع الضِّيقِ والشِّدَّةِ تَفريجًا، فلا يَيأَسِ العبْدُ مهما أصابَه.

وهذا كلُّه مِن التَّربيةِ النَّبويَّةِ للأُمَّةِ؛ أنْ تَتعامَلَ بصِدْقٍ مع اللهِ، وأنْ تُراقِبَه في كلِّ أعمالِها، وألَّا تخافَ غيرَه سُبحانه؛ فمِنْه النَّفعُ والضُّرُّ، وأنْ تُربِّيَ أطفالَها على هذه المفاهيمِ الطَّيِّبةِ، فيَنْشَؤُوا ويَشِبُّوا عليها.

ما قد قُضي يا نفس فاصطبري له    ولك الأمان من الذي لم يُقــــــدّر

ثم اعلمــي أن المقـــــدّر كائن   حتماً عليك صبرت أم لم تصبري

الحمد لله على السراء والضراء، والعافية والبلاء، والله ما أحب تأخير ما عجل الله، ولا تعجيل ما أخَّرَ الله، وكل ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير.

((أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) سورة الحج

فما أبرم الله لم يُنقض… وما نقض الله لم يبرم…

إنّ الذي قدر علينا الأقدار حكيم خبير لا يفعل شيئاً عبثاً ولا يقدّر شيئاً سدى، بل هو رحيم تنوعت رحمته سبحانه وبحمده، يرحم العبد فيعطيه، ثم يرحمه فيوفقه للشكر، ثم يرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيوفقه للصبر، ثم يرحمه فيكفر بالبلاء ذنوبه وآثامه، ثم ينمّي حسناته ويرفع درجاته، ثم يرحمه فيخفف من مصيبته وطأتها، ويهون مشقتها ثم يتمم أجرها، فرحمته متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده إلى أجـــــــــــل مسمّى

فهذا يحمل على الصبر والاحتساب، وهذا هو تمام التعزية ” فلتصبر ولتحتسب”

ومما يتسلى به المصاب أن يوطن نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند الله، وأنها بقضائه وقدره، وأنه سبحانه وتعالى لم يقدرها عليه ليهلكه بها ولا ليعذبه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ورضاه.

((مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) سورة النساء

إنّ المكروب حظه من المصيبة ما يحدث له، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ، ومن رضي بقضاء الله جُزي عليه وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله، فقضاء الله نافذ كالسيف وأمره واقع، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولكن العبد هو الذي يربح أو يخسر بحسب رضاه وسخطه، جعلنا الله من الراضين بقضائه وقدره.

حيلة من لا حيلة له الصبر

فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها   صبر الكـرام فـإن ذلك أسلـــــــــــــــــم

وإذا ابتليت بكربة فالبس لهـا   ثـوب السكـوت فإن ذلك أسلـــــــــــــــم

لا تشكون إلى العبــاد فإنما    تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحــــــــــــم

قَالَ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ مَوْتِ ابْنِهِ: أَيَصْبِرُ الْمُؤْمِنُ حَتَّى لا يَجِدَ لِمُصِيبَتِهِ أَلَمًا؟  قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ” لا يَسْتَوِي عِنْدَكَ مَا تُحِبُّ وَمَا تَكْرَهُ، وَلَكِنَّ الصَّبْرَ مُعَوَّلُ الْمُؤْمِنِ

الدهر يومان ذا أمن وذا خطر، والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر، وأعلم أن الدنيا طبعت على الأكدار.

حكم المنية في البرية جــــــــار   ما هذه الدنيا بدار قـــــــرار

بينا يرى الإنسان فيها مخبـــــرا حتى يرى خبرا من الأخبــــــار

طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقـــذار والأكـــــدار

ومكلف الأيام ضد طباعهــــــا        متطلب في الماء جذوة نـــــار

وإذا رجوت المستحيل فإنما      تبني الرجاء على شفيــــر هـــــار

فالعيش نوم والمنية يقظة         والمرء بينهما خيال ســـــــــار

قال أبو الدرداء: “إن الله إذا قَضى قضاء أحب أن يُرضَى به”. وكان عمران بن حصين يقول في عِلّته: “أحبّه إليّ أحبّه إليه”. وهذا دواء وعلاج لا يَعمل إلاّ مع الْمُحِبّين، ولا يمكن كل أحد أن يتعالَج به.

ومِن فِقه المصيبة -أيًّا كانت- أن يَعلم المؤمن أنها خير له إن صَبَر واحتَسَب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» (صحيح البخاري). وكلّما عظُمَت المصيبة كلّما عظُم الأجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ»

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دُعائه: «أَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ» لأن الرضا بعد القضاء هو الرِّضا. “ومما يدعو المؤمن إلى الرضا بالقضاء: تحقيق إيمانه بمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلاّ كان خيرًا له؛ إن أصابته سَرّاء شكر، كان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، كان خيرًا له، وليس ذلك إلاّ للمؤمن”. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يوصيه وصية جامعة مُوجزة، فقال: «لَا تَتَّهِمِ اللهَ فِي شَيْءٍ قَضَى لَكَ بِهِ».

في وصية من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» وقد مرّ إبراهيم بن أدهم على رجل مهموم، فقال له إبراهيم: يا هذا إني سائلك عن ثلاث فاجبني. فقال له الرجل: نعم. فقال له إبراهيم: أيجري في هذا الكون شي لا يريده الله؟ فقال: لا. قال: أينقص من أجلك لحظة كتبها الله لك في الحياة؟ قال: لا. قال: أينقص رزقك شي قدّره الله؟ قال: لا. قال إبراهيم: فعلامَ الْهَمّ إذن؟!   {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51]. يا صاحِب الْهَمّ.. والله إن الله أرحَم بِنا مِن أُمّهاتِنا. وأن ما كَتبَه الله عَزّ وَجَلّ لنا لا علينا.. وهو خير لنا {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} نعم. {لَنَا} ذلك أنه تبارك وتعالى {هُوَ مَوْلَانَا} وهو حسبنا {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. وفي صحيح السُّنَّة: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (صحيح مسلم).  

لقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يَمُرّ بآلِ ياسِر وهم يُعذّبون، فما يَزيد على قول: «صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ».

ومِن أوْسَع وأكبر أبواب الرضا عن الله وأقدارِه:

  1. أن يَعلم المسلِم أَن «مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ» كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  2.  أن يَعلم الإنسان أن الله أرحَم به مِن أرحم الناس به، وهي الأم، كما في الصحيحين.
  3.  أن يَنظر الإنسان إلى ما أصابَه على أنه خير له؛ فإن الله عزَّ وجَلّ ما يَقضي للعبد قضاء إلاّ كان خيرا له.
  4. وأن يَتيقّن أن ما صَرَف الله عنه أكبر مما أصابه، وأن الله لو يُؤاخِذ عباده بِما كَسَبَت أيديهم لَهَلَكوا، كما قال تبارك وتعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} [النحل من الآية:61]. وأن ما أصابه مِن مُصيبة إنما هو بسبب بعض ذنوبه، وأن الله يَعفو عن كثير: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30].
  5.   أن يتذكّر الأجر العظيم الذي أعدّه الله للصابِرين، وما يُخلِفه الله على المؤمِن إذا صبر واحتَسَب وقال ما أُمِر به. كما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة من الآيات:155-157].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى