غريب ما حدث لفتى داخل مقبرة في غزة

سواليف

إياد أبو حويلة؛ وإيزابيل كيرشنر* (نيويورك تايمز) 22/4/3018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جباليا، قطاع غزة –
استلقى بين شواهد القبور في مقبرة بجوار منزل جده، كما قال ابن عمه، فيما أصبح لعبة مألوفة للأطفال في واقع غزة المرير. وقال لابن عمه إنه يأمل أن يُدفن هناك، وجمع أكواماً من الرمل كما لو أنه يحفر قبره الخاص.
بعد ذلك، تسلل الصبي، محمد أيوب، يوم الجمعة، في عصيان لأوامر أمه، لينضم إلى الاحتجاج الأسبوعي على طول السياج الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل. وهناك، أطلق قناص إسرائيلي النار على رأس الصبي، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، ليُدفن في المقبرة الصغيرة نفسها في تلك الليلة نفسها.
وقال الجيش الاسرائيلي إنه يدرس ظروف وفاته.
قال أقارب محمد والسلطات الصحية في غزة إن الفتى كان في الخامسة عشرة من عمره. وأظهرت بطاقة هويته أن عمره أصبح 14 عاماً قبل شهرين فقط. وقالت أمه إنه أراد أن يكون “شهيداً” منذ كان في روضة الأطفال، حتى قبل أن يفهم ما يعنيه ذلك.
كان عالم محمد محصوراً في جانب واحد من البحر الأبيض المتوسط؛ حيث أحبَّ أن يسبح عند الفجر، بجوار الحدود مع إسرائيل ومصر، المغلقة إلى حد كبير على معظم المليوني نسمة الذين يقيمون في ذلك الجيب الساحلي الفلسطيني الذي تديره حماس، الجماعة الإسلامية المتشددة.
لكن وفاة الصبي زادت الاهتمام الدولي والرقابة على تعامل إسرائيل مع الاحتجاجات التي بدأت في 30 آذار (مارس)، سواء بسبب سنه الصغير، أو لأن مصرعه مصوَّر على شريط فيديو.
كما حظيت قصته بتغطية واسعة النطاق في داخل إسرائيل وأثارت بعض القلق بين الجمهور الذي دعم على نطاق واسع أعمال الجيش على الحدود.
في معرض انتقاده للجيش على عدم الإعراب عن أسفه على حادثة القتل، كتب مراسل الشؤون العسكرية لصحيفة معاريف، تل ليف رام، في مقال له يوم الأحد الذي أعقب وفاة الصبي: “إن وفاة مراهق فلسطيني، مهما كان معادياً، لا يجب أن تجعلنا غير مبالين ولا مستجيبين. إن اللامبالاة في هذه الحالة هي خسارة لنا نحن في المقام الأول”.
غزة، هذه المنطقة المعزولة والمُعدمة التي تعاني من نقص مزمن في الكهرباء ومن المصاعب التي تفاقمت بسبب الاقتتال الداخلي الفلسطيني، ولدت جيلاً شاباً يعيش بلا أمل. ويتهم المنتقدون حماس منذ فترة طويلة بأنها تزرع عقيدة موت، ويقولون إنها تحاول الآن إعادة توجيه الغضب المتزايد بين سكان غزة ليتحول عنها نحو إسرائيل.
وكتب محمد شحادة، الكاتب وناشط المجتمع المدني من قطاع غزة، عن الاحتجاجات في صحيفة “هآرتس” هذا الشهر: “لكن حماس لا تستطيع أن تجر الشباب من الأسرَّة تحت تهديد السلاح وتدفعهم إلى الحدود ليرقصوا على لحنها”. وأضاف: “لولا البؤس الذي يسببه الوضع الراهن في غزة، لما ذهب أحد ليظهر في ذلك الموعد مع الموت”.
وقال والد محمد ابراهيم أيوب (40 عاماً) يوم السبت، إن ابنه بريء. وتحدث من خيمة العزاء خارج منزل العائلة المكون من طابق واحد وبسقف معدني مموج في مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة. وأضاف: “حتى لو لمس السياج، فقط كان مسالماً”، مضيفاً أن ابنه لم يكن يقذف الحجارة أو يحمل سلاحاً.
كان باسل أيوب، البالغ من العمر 18 عاماً، ابن العم الذي كان مع محمد في المقبرة وروى المشهد الذي حدث هناك، قد رآه مرة أخرى في موقع الاحتجاج في الوقت الذي قُتل فيه. وقال باسل وابن عم آخر، هو محمد حمودة أيوب، 29 عاماً، إن محمد كان يجلس على الأرض مع صبية آخرين، ثم نهض وركض هرباً من سحب الغاز المسيل للدموع، عندما أطلق الجنود عليه الرصاص.
خلال أيام الجمعة الأربعة التي مرت منذ بدء الاحتجاجات الفلسطينية وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير، قُتل ما لا يقل عن ثلاثين فلسطينياً بالنيران الإسرائيلية على طول الحدود مع غزة بينما كانوا يحتجون على الحصار المفروض منذ 11 عاماً على قطاعهم. كما يضغط المتظاهرون من أجل عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم في ما أصبحت الآن إسرائيل.
سجلت وزارة الصحة في غزة ثلاثة قاصرين آخرين بين القتلى. واحد كان عمره 17 عاماً، وآخر بعمر 15 عاماً، وثالث بعد أيام قليلة من عيد ميلاده الرابع عشر. كما جرح المئات من الأشخاص الآخرين.
تقول إسرائيل إنها تعمل على تأمين حدودها ضد أي خرق جماعي للسياج ولمنع الهجمات الإرهابية تحت غطاء الاحتجاجات ضد جنودها والمجتمعات الإسرائيلية المجاورة. وقد حذر الجيش المحتجين وطلب منهم البقاء بعيداً عن السياج، وقال إنه لن يسمح لهم بتعريض جنوده للخطر أو الإضرار بالبنية التحتية الأمنية عن طريق قذف الحجارة أو حرق الإطارات أو إلقاء قنابل حارقة أو قَطع الأسلاك.
وقال الجيش يوم السبت إنه يدرس حالات جميع الوفيات المبلغ عنها. واتهم حركة حماس، التي ألقت بثقلها وراء الاحتجاجات، بوضع النساء والأطفال على خط المواجهة و”استخدامهم كـ‘درع بشري’ من أجل تحقيق أهدافها”.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، عدّل الجيش تقديره المبدئي لعدد المشاركين في احتجاج يوم الجمعة، 20 نيسان (أبريل)؛ حيث رفعه من 3.000 إلى 10.000 بحلول نهاية اليوم. لكن هذا العدد يظل أقل بكثير من 30.000 إلى 40.000 الذين جاؤوا إلى مواقع الاحتجاج الخمسة يوم 30 آذار (مارس)، عندما بدأت الحملة.
مع احتفال إسرائيل بالذكرى السبعين لتأسيسها، لامست حملة الاحتجاج واحداً من أكثر أعصاب البلاد حساسية. ويُطلق على الحملة الفلسطينية اسم “مسيرة العودة الكبرى”، ومن المتوقع أن تبلغ الحملة ذروتها في 15 أيار (مايو) عندما يحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة التي رافقت تأسيس إسرائيل وحرب العام 1948 التي أعقبت إنشائها، والتي فر خلالها مئات الآلاف من الفلسطينيين أو طُرِدوا من ديارهم.
كواحد من ستة أشقاء تتراوح أعمارهم بين 3 و17 عاماً، نشأ محمد في أزقة مخيم جباليا للاجئين بين مجموعة من اللاجئين وأحفادهم من الفلوجة، القرية الفلسطينية السابقة التي تبعد أقل من 20 ميلاً شمال إلى الشرق من غزة، ونجا مسبقاً خلال ثلاث حروب.
كان والد محمد يعمل لدى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب قبل أن تهزمها حماس خلال القتال الذي نشب بين الفصيلين قبل أكثر من عقد من الزمان. وجاء مسؤولون من حماس لتقديم التعازي بوفاة محمد، لكنهم غادروا بعد بضع دقائق وسط مشادة مع مؤيدي حركة فتح، المجموعة الفلسطينية المتنافسة التي تزين أعلامها خيمة عزاء العائلة.
وقالت أمه، رائدة أيوب، 39 عاماً، إن زوجها أخذ محمد وشقيقيه إلى الاحتجاج في أول جمعتين. لكنهم لم يذهبوا في الجمعة الثالثة، بعد أن أخافتهم التحذيرات الإسرائيلية. وفي يوم الجمعة الأخير أيضاً، طلبت منه أن لا يذهب خوفاً على سلامته، وأخذته إلى منزل جده بدلاً من ذلك.
ولكن، بعد أن لعب محمد في الخارج، التقى بإحدى عماته وطلب منها أن تخبر والدته بأنه ذاهب إلى موقع الاحتجاج “لساعة واحدة فقط”.
وفي شريط الفيديو الذي يصوِّر مقتله، يمكن سماع أصوات مذعورة وهي تصرخ بأنه أصيب برصاصة في رأسه. وأعلن آخرون على الفور أنه “استشهد”. وبعد بضع ساعات، كان محمد مدفوناً في باطن الأرض.

*أسهم إياد أبو حويلة في هذا التقرير من جباليا، قطاع غزة؛ وإيزابيل كيرشنر من القدس.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: He Played at Death in a Gaza Cemetery. Then He Was Buried There

الغد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى