عن الجامعة المنكوبة وأسئلة اليوم التالي ل”ليلة القبض على الزعيم”/د.عبدالحكيم الحسبان

 
نزل بيان الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام حول نجاح كوادر المديرية في كشف تفاصيل وخيوط مكيدة دبرها أحد المدراء العاملين في أحدى الجامعات الرسمية ضد زميل له، واشتملت على تجنيد شبان قاموا بدس المخدرات في سيارة هذا الزميل مبتغيا النيل منه، نزل بردا وسلاما على العاملين في هذه الجامعة، من باب الفرح بانتصار الحق على الباطل، كما من باب العواطف الإنسانية الفطرية التي تتمنى السقوط والهلاك لكل من يتجبر ويطغى ويمارس العدوان على الناس وعلى مصالحهم. سوف أذكر هنا بالمبدأ القانوني الذي يقول أن المتهم بريء ما لم تثبت إدانته، وعليه فإن النقاش في هذه المقالة لن يكون موضوعها ومحورها شخص المتورط المفترض بل سيكون موضوعها تلك التفاصيل والحيثيات التي ذكرت في بيان الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام.
 وفي حين جاء تحرك كوادر مديرية الأمن العام ليذكر الناس بوجود الدولة وبوجود إرادة لدى بعض أجهزتها في التحرك والتصدي لمسارات الخراب والفساد التي تضرب هذه الجامعة من سنين وعلى مرأى من كثير من مؤسسات الدولة وأجهزتها الأخرى، بعد أن انتظر الناس الدولة وأجهزتها طويلا حتى تصوب من مسارات الخراب والفساد والعبث الذي استشرى واستوطن في هذه الجامعة. فإن الحدث الذي جرى بالأمس يمثل سابقة خطيرة، لا ينبغي أن يمثل إلقاء القبض على المتورط بها نهاية لهذه القصة، لتطوى صفحة هذه الجامعة بعدها،  بل يجب أن يمثل ما جرى بالأمس بداية جهد وطني واسع للتأمل فيما جرى يوم أمس وللتفكير في كل تلك المسارات التي عانت منها هذه الجامعة الحزينة، وبلغت ذروتها بالخبر الفضيحة والصاعقة الذي تصدر الإحداث مساء يوم أمس.
في البداية، من المهم التأكيد على حق الرأي العام في البلاد أن يعرف أن الحدث الذي جرى بالأمس قد جرى في جامعة حكومية كبرى، أي أن الحديث هنا هو عن جامعة هم من يملكونها، ويمولون من جيوبهم ميزانياتها. وأن من حقهم بالتالي معرفة ما جرى من وقائع، كما أن من حقهم معرفة المسارات التي أوصلت جامعتهم إلى هذا الدرك الخطير، كما أن من حقهم طرح الكثير من الأسئلة التي تتجاوز تفاصيل حادثة الأمس، وكل حيثياتها المعيبة أخلاقيا ووطنيا والتي ترقى بالفعل إلى مستوى الفضيحة والكارثة الوطنية.
لقد اعتاد الناس أن يسمعوا عن “الفتوات” و”الزعران” وحروبهم في الحواري والزقاق الضيقة العفنة، أما أن تكون أحدى الجامعات الرسمية الكبرى هي المسرح لألاعيب الصغار والأشقياء و”الزعران”، فهو وأن كان يمثل سببا للذهول إلا أنه يدعو لدق ناقوس الخطر الذي بات يداهمنا. وتفاصيل حادثة الأمس بينت عمق القاع الذي أخذ البعض جامعاتنا الحبيبة أو بعضها إليه. قبل هذه الحادثة المريعة، سبق للجامعة وضمن هذه المسارات التي تعيشها، أن شهدت قيام من يشغل موقع نائب الرئيس وهو يجلس في مكتب الرئاسة وحيث العلم الوطني وعلم الجامعة بتهديد عميد بأن بلطجيته وفتوته سوف يتعرضون لك ولاطفالك ولسيارتك، وأن على العميد الحذر. وتزامن ذلك مع تعرض نائب أخر لرئيس الجامعة لكمين قرب بيته استهدف حياته وسيارته.
فمن حق الرأي العام الأردني الذي يدفع من عرقه وتعبه أموال الجامعات أن يعرف أن من هو في دائرة الاتهام بتدبير المكيدة المعيبة لزميله، لم يكن مجرد موظف صغير في الجامعة، أو مجرد عامل مياومة، لم يتم التدقيق كثيرا في هويته حين دخل الجامعة ليعمل بها، بل كان ولوقت قريب هو الحاكم بأمره في هذه الجامعة، بل كان هو الرئيس الفعلي، وكل العاملين في الجامعة يعرفون أنه الرئيس الفعلي لسببين، أن موقعه كان يحتم أن تمر كل التفاصيل المتعلقة بالجامعة عبر قناته ومن تحت يديه، بحكم الموقع الذي تم إيصاله إليه في سابقة غير قانونية هزت الجامعة. وأما السبب الثاني، فهو شخصية من أدار موقع الرئاسة في الجامعة والتي كانت تميل إلى إيكال صناعة القرار لمن هم أدنى من الرئيس أو من هم أعلى، كي يفلت الرئيس من أي تبعات قانونية. وعليه، فإن من هو من متهم بالفعل الجرمي هو فعليا بحجم رئيس جامعة.
ومن حق الرأي العام ألأردني أن يعرف أيضا أن من القي القبض عليه وبات متهما في فعل جنائي، وبات عليه أن يدفع بالبراءة عن ضميره وخلقه ، كان مسئولا عن عشرات الترقيات الأكاديمية، وكان يملك حرية الوصول إلى علامات عشرات آلاف الطلاب، وكان يملك القرار حول عشرات ومئات التعيينات الإدارية والأكاديمية، وكان يملك القرار والسلطة حول آلاف القبولات في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. فمن يضمن أن من هو متهم بتدبير مكيدة فيها هذا القدر الكبير من الوضاعة والخسة لزميل له، ومن هو متهم بتجنيد أشرار وبلطجية لتدبير هذه المكيدة، لم تصل يده لتعبث بالترقيات الأكاديمية، وبعلامات عشرات آلاف الطلبة، وبقرارات تعيين مئات العاملين والموفدين؟؟؟
ومن حقي ومن حق الرأي العام الأردني أن يثير الكثير من الأسئلة التي تطعن في الأدوار التي قام بها هذا الشخص لتشكيل مجلس عمداء بكامله في الجامعة، وحيث هناك مئات من الأسئلة التي تتعلق بكيفية أعطاء موقع العمادة لمن هو في رتبة أستاذ مشارك في كلية يبلغ عدد الاساتذة فيها أكثر من 23 استاذا، ولمن منح موقع العميد لمدة أربع سنوات وهو متهم بتزوير فواتير مالية ليغطي بها على سرقته لسلفة مالية حصل عليها من الجامعة بدون وجه، ولمن خضع لاستجواب وإدانة من أكثر من لجنة تحقيق على أفعال جرميه داخل الجامعة، ناهيك عن تسمية مدراء لمراكز متخصصة في الجامعة لمن لا ينتمون من قريب أو بعيد لهذا التخصصات، ولكن على قاعدة تبادل المنافع المالية، وهو ما تتوافر مئات الصفحات من الوثائق حوله.
 ذهب الزعيم غير المتوج إلى غياهب السجن والتحقيق، ولكن تركته ورجاله في المجالس التي شكلها في الجامعة المنكوبة ما زالوا يؤدون “رسالته النبيلة” ويكملون المسيرة المظفرة. وأما المسيرة المظفرة لهذه الجامعة الحزينة فهي أوصلتها إلى أكثر من الخمسين مليونا من المديونية التي تضاعفت ثلاث مرات في سنوات قليلة، وإلى شفط أكثر من عشرة ملايين دينار من صندوق الاستثمار فيها، وإلى بيع شهاداتها على أرصفة شوارع استانبول التركية، وغيرها وغيرها من قصص الفشل والفساد التي يندى لها جبين أي وطني وأي ذي علم وخلق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى