اخي المصلي.. رفقاً بإمام المسجد / محمود ناجي الكيلاني

اخي المصلي.. رفقاً بإمام المسجد

لن أتناول كل ما يحتمله إمام المسجد طوال العام؛ وسأكتفي بالإشارة إلى جزء مما يحتمله في شهر رمضان وحده، الذي يزداد فيه رواد المساجد.

ومرادي من هذه الكلمات وضعك في الصورة، كي لا تكون أخي المصلي حِملاً ثقيلاً جديداً يضاف على كاهل هذا الإنسان فوق ما يعانيه من هموم وضنك معيشة، راجياً أن تقدّر له أنه يبذل كل جهده؛ ليقوم بواجبه تجاه ربه ثم تجاه المصلين، ولأؤكد على أنه لا يعمل أجيراً عندي وعندك، وإدارة المسجد أمانة في عنقه أولاً، ثم في عنق لجنة المسجد- إن وجدت وكانت فاعلة- وهناك من يتابعه وينبهه من مديريات الأوقاف، وغيرها!

فهل تعلم أن هذا الرجل في شهر رمضان تحديداً، شبه منقطع عن أقاربه ومعارفه، فهو لا يقبل غالباً بعزائم الإفطار؛ إن كانت بعيدة عن مسجده، وحتى أنه لا يُتِمّ إفطاره – إن كان معزوماً – كي لا يقول قائل: يكمله بعد صلاة القيام (التراويح) كما يفعل عندما يفطر في بيته، فهو يخفف من طعامه وشرابه وحلوياته الرمضانية، في بيته وخارجه؛ ليتيح مجالاً لأنفاس قراءته بك، وللعلم تتحمل كل أسرته ما يتحمله هو، من عدم “الاستمتاع بالإفطار” وقلة الزيارات والولائم.

مقالات ذات صلة

وهل تعلم أن #إمام_المسجد يكثِّف مراجعته للقرآن في الشهر الفضيل؛ تجنباً للخطأ بجمهرة من المصلين؛ ويكون بقراءته على أعصابه؛ لأن المتابعين على أهبة الاستعداد، ولن أقول: “المتتبعين والمتصيدين” لزلة بسيطة؛ ليسقطوه، لاختلافه معهم بأمور ما، ممن لا يُفرِّقون بين الجامع والشارع بعلو أصواتهم ومشاجراتهم، ومنهم من قد يجعل الإمام بلا حفظ؛ إن أخطأ بخواتيم الآيات مثلاً؛ لتشابههن، أو أغلق عليه، فلا يترك له فرصة لاسترجاع الآيات قبل رده، وكأنه سيمنح جائزة!

وأنت نفسك لا تتقبل أن يقول لك أحد ما خطأ واحداً في هيئة صلاتك، تكرره منذ سنوات عديدة، وتجدك تُنَظّر على الإمام، بمواعيد الإقامة، والتقصير والإطالة، والإسراع والبطء في القراءة، ولو تحملت مسؤولياته ليوم واحد، والتي تبدأ من حرم المسجد (ما حوله) إلى كل ما في داخله، لربما دعوت له في كل سجدة صلاة تصليها خلفه، وهو الذي يجهد نفسه، لعمل برامج ونشاطات داخل المسجد، ويجري اتصالات عديدة مع دعاة، ليحظى بموافقة بعضهم، ليقدموا دروساً ومحاضرات، وأنت مستلق على أريكتك في بيتك لعند إقامة الصلاة.

وهل تعلم أن هذا الإمام بشر من لحم ودم، يصيب ويخطئ، يغضب ويمازح، كمثلك تماماً، فلا تتوقف عند كل أمر يبدر منه، فعنده من الهموم والمشكلات ما يكفيه، وهو لم يقل لك: إنني بدعوتي إليك لامتثال الأمور الشرعية، أصبحت قرآناً يمشي على الأرض؛ فإن أذنب أو قصَّر أو أخطأ بأمر ما، فتجاوز عنه، وليس مطلوباً منك تتبع سيرة حياته، ومشاكله الأسرية وذنوبه، وعرضها على المصلين وأهل المنطقة!

أحب أن أقول لك إن كنت لا تعلم: #لستُ_إمام_مسجد، ولا أحب الإمامة وأتجنبها لثقل مسؤوليتها، وإن قمت بها، فحالي حال المضطر؛ ولكن يزعجني ما يتعرض له الإخوة الأئمة – ولو اختلفت مثلك معهم في بعض الأمور، وكانت لدي عليهم بعض الملاحظات- من عدم تقدير بعض المصلين لمجهوداتهم، وأعتبرها نِعم الشهادة من إمام مسجدنا السابق عندما شهد لوالدي- رحمه الله- في عزائه، بأنه صلى خلفه لسنوات، وكان يعرف واجبه جيداً، فيرد عليه السلام، ويلتزم إحدى سواري المسجد، حاملاً مصحفه، ولم يتدخل يوماً بشؤون الإمامة، وإن بدر مني فعل طيب كوضع بخور أو شاهدني أعطر السجاد أو أعلق مجلة المسجد أو أقوم بتحفيظ الأطفال القرآن، شكرني ودعا لي، وجلس في مكانه المحفوظ في ذهني، وهذه الشخصيات ترفع معنوياتنا وتحفزنا على الإبداع، ولا تتعبنا في المساجد، فثمة أشخاص متعبون بلا شك، وأضيف على ما قاله: لربما لا تحتمل إزعاجاتهم منازلهم وزوجاتهم، وليس مطلوباً من الإمام احتمالهم!

أخي المسلم: إن أكرمك الله بالمواظبة على الصلاة في المساجد، فلا تتمنَّن بذلك على أحد، وخصوصاً الإمام، فأنت تصلي لنفسك، وتذكَّر دائماً، أن صلاتك دافعها الأجر، وليس كسب السيئات بالإساءة للإمام أو المصلين أو استغابة المسلمين والتقليل من شأنهم في أجلِّ بيت (بيت الله) فلنراجع أنفسنا، وجزاك الله كل خير، وغفر لي ولك ولأئمة المساجد وللمسلمين أجمعين.

بقلم: #محمود_ناجي_الكيلاني

نشرت في رمضان 1436 هجرية

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى