محاضرة بعنوان .. الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين للدكتور ماجد الزبيدي

سواليف

بدعوة من حزب الشعب الديمقراطي الأردني(حشد) في مقره بمدينة إربد ،مساء الثلاثاء 9/5/2017م ، عقد الدكتور ماجد توهان الزبيدي* بعنوان الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين: غياب القانون الدولي!**

مستخلص:
في ضوء اضراب العزة والكرامة الحالي عن الطعام والشراب من قبل الأسرى العرب الفلسطينيين الأبطال في سجون ومعتقلات العدو الصهيوني بسبب الممارسات اللاانسانية التي تمارسها سلطة الإحتلال في فلسطين المحتلة بحق اسرى النضال والحرية ،من حيث الحبس الإنفرادي ،والعزل ،ومنع زيارة ذويهم ،والإهمال الطبي المتعمد بحق المرضى منهم ،وإعادة إعتقال الأسرى المّفرج عنهم ،والتوسع في الإعتقال الإداري المخالف للقانون الدولي ،وسوء التغذية والطبابة ، وقلة ساعات الخروج النهاري للتهوية والتعرض لأشعة الشمس ،والتضييق على حق العليم والإجتماع ،وغيرها من قضايا مُحقة كفلها القانون الدولي وخاصة “اتفاقية جنيف بشأن معاملة اسرى الحرب ،المؤرخة في 12 آب /اغسطس 1949م”، لكن إجراءات سلطة الإحتلال وممارساتها تتعارض كليا لكل القوانين والشرائع والإتفاقيات الدولية ، ،تُلقي المحاضرة التالية المدعمة بالإحصاءات والأسانيد القانونية ،الضوء المركز على واقع الحركة الأسيرة الفلسطينية ،منذ بدء الصراع مع المهاجرين المستوطنين الصهاينة إبان الإستعمار البريطاني البغيض عام 1917 ،والوضع القانوني للأسرى العرب الفلسطينيين من حيث تلاعب سلطة الإحتلال بالمواثيق الدولية وعدم تطبيقها للمعايير القانونية الخاصة بالأسرى وحقوقهم القانونية ،وتزوير سلطة الإحتلال لتلك المعايير ،النابع من موقف الإحتلال ومفهومه الخاطىء والمتعمد لوضع أرض الضفة الغربية في القانون الدولي ،من أرض محتلة – بما فيها مدينة القدس- حسب كل قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة،والمواقف المتواترة للدول والحكومات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية العالمية الحقوقية والقانونية ،إلى “أرض متنازع عليها “تارة ،و”أرض دون سيادة “تارة أخرى ،للتهرب من نصوص اتفاقيت جنيف الثالثة ،سالفة الذكر ،والرابعة :”اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب “، في وقت تستغل فيه حكومة “نتنياهو” الإحتلالية الوضع العربي الرسمي السيء في وحدته ومواقفه ،ونتائج الإنتخابات الأميركية الأخيرة ،مما جعل من القضية الفلسطينية وموضوعاتها الفرعية المهمة كالأسرى والقدس والإنسحاب واللاجئين والمياه وغيرها ،من “القضايا الباردة”،في ضوء ما آلت إليه الأوضاع العربية الرسمية من ضعف ومهانة وتبعية وتشرذم ،إنعكس بدوره سوءا على وضع األأسرى والقدس معا.

……………………………………………………………………………………………………………
1- إحصاءت موثّقة:
تعود بدايات الحركة الأسيرة في فلسطين وباقي أقطار الوطن العربي إلى بدايات الإستعمار البريطاني والفرنسي،وتحديدا للعام 1917م في فلسطين إثر “وعد بلفور” المشؤوم.
ففي فترة كفاح العرب الفلسطينيين ضد القوات البريطانية الغازية ،تعرض الف ومأتي (12000)مواطن بين شهيد وجريح وأسير في احداث يوم 23 آب 1929م،حُكم على ثلاثة وعشرين (23)مناضل عربي منهم بالسجن المؤبد وعلى مأئة وسبع وثمانين أسير آخر بأحكام متفاوتة،وتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة(3)اسرى منهم في سجن عكا،هم:فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير،مرورا بنفي العديد من المناضلين الفلسطينيين إلى جزر ومستعمرات بريطانيا خلال الثورة الفلسطينية الكبرى(1936-1939م) وسجن وقتل وأسر المئات طيلة فترة الإحتلال البريطاني لفلسطين (1917-1948م).
دخل السجون والمعتقلات البريطانية والصهيونية مايقرب من مليون ونصف المليون مناضل فلسطيني،بينما بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين من الأسرى في سجون العدو الصهيوني أكثر من مأئتي وخمس ( 205)شهداء،منهم واحد وسبعين(71)نتيجة التعذيب ،وواحد وخمسين(51)نتيجة الإهمال الطبي،واربع وسبعين(74) نتيجة القتل العمد بعد الإعتقال مباشرة ،وواحد وسبعين (71) بأعيرة نارية داخل المعتقلات ،وفق إحصائية حديثة لنادي الأسير الفلسطيني.
تم أسر وإعتقال اكثر من ثمانمائة الف(800,000)حالة إعتقال منذ العام 19488م تاريخ قيام دولة العدو على انقاض دولة فلسطين،بينما بلغ عدد الأسرى منذ” إنتفاضة الأقصى” (28 أيلول 200م) ثمان وسبعين ألف .،من بينهم تسعمائة وخمسين(950)مواطنة وأكثر من تسعة آلاف (9000)طفل.ومايقرب من ستين نائبا ووزيرا سابقا وعشرات الصحفيين والكتاب والأكاديميين.
وحاليا، وصل عدد الاسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الاسرائيلية ،في شهر آب من العام الحالي 2013 ، الى خمسة آلاف وثمان وستين (5068) اسيرا، من ضمنهم مائة واربعة وثلاثين134 اسيرا اداريا، وثلاثة عشر(13) اسيرة، ومائة وخمس وتسعين(195)طفلا اسيراومائة واربع (104)أسرى منهم من تم إعتقاله قبل إتفاقية اوسلو وقيام السلطة الفلسطينية(4أيار 1994م).
إحصائيات: الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية(آب 2013)
العدد الأسرى
5068 مجمل أعداد الأسرى
134 (9 نواب في مجلس تشريعي) الأسرى الإداريين
13 الأسيرات
195 (36 تحت سن 16 عاماً) الاطفال الأسرى
13 أعضاء المجلس التشريعي الأسرى
180 أسرى القدس
208 أسرى الداخل (فلسطينيو 1948)
422 أسرى غزة
514 أسرى محكومين مدى الحياة
433 أسرى محكومين أكثر من 20 سنة
24 أسرى قضوا أكثر من 25 سنة
65 أسرى قضوا أكثر من 20 سنة
79 الأسرى القدامى (قبل أوسلو)
المصدر: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسليم)
2 – بدايات التعامل القانوني:
دخل الجيش الإسرائيلي المناطق العربية في حرب حزيران19677وهو يحمل تعليمات الدفاع التي تسمح للجندي بممارستها في أي أرض يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي ، والقاضية بالسماح لأي جندي بإلقاء القبض على كل شخص ارتكب ” جريمة ” حسب تعليمات الدفاع، الصادرة بتاريخ 10/6/1967م،إذ أنه بناء على تعليمات الدفاع هذه ، جلب الجنود الإسرائيليون أعداد كبيرة من الأسرىالفلسطينيين والجنود العرب عام 1967 م ، فشكل هذا العدد مشكلة بالنسبة للجيش خاصة فئة الفلسطينيين ، فلم تشأ إسرائيل معاملتهم كأسرى حرب ، فأصدرت القرار العسكري 387 و ذلك لترتيب عملية اعتقال أفراد المنظمات(الفدائية التي بدأت بالتشكل).
وفي(الوقت الذي) فرضت بعض القيود على صلاحيات الاعتقال ،فقد سمح لجندي(الإحتلال) باعتقال أي شخص بعد اقتناعه بأن هذا الأخير قد ارتكب جرمًا ، وأنه يجب نقله بأسرع وقت ممكن إلى مركز الشرطة إضافة إلى ضرورة الحصول على أمر بتوقيفه ،على أن لاتزيد هذه المدة عن أربعة أيام ، لكن هذا الأمر العسكري أتاح لأي ضابط أن يكتب هذا الأمر ، أي أن القضية تتعلق برفع سلم الصلاحية من الجنود إلى الضابط.
وعليه، كانت القرارات العسكرية الخاصة بالاعتقال “يتم إصدارها حسب تطور الأحداث والحاجة إلى ذلك : فعندما تكون لدى الجيش مشكلة يتم حلها بشكل سريع عن طريق إصدار القادة العسكريين لقرارات تكون على شكل أوامر، يتم التعامل معها على أنها تشريعات يلتزم بها الجيش،كي تسقط مخالفته للقانون الدولي واتفاقيات جنيف ,التي وقعت عليها إسرائيل في شهر أكتوبر من عام1967 (كما إعتقدت المؤسسة العسكرية الإحتلالية) .
وبسبب تلك القرارات العسكرية وطرق التحايل المبكرة من عمر الإحتلال ،بدأ لضغط الدولي والاستنكار لسلوك الجيش في التعامل مع المدنيين يأخذ ، دوره الإعلامي ، فما كان من قادة الجيش الإسرائيلي إلا أن أصدروا الأمر رقم 121 لعام) 1967الذي) يمنع رفع دعوى ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي أو السلطات أو الأشخاص الذين يخدمون في الجيش أمام المحاكم ، بل أنه أعتبر أن كل شهادة موقعة من القائد العسكري أومن يفوضه، نهائية وحاسمة أمام ضباط الجيش وأمام المحاكم العسكرية ، وإن نشوه الانتصار كانت تؤهل القادة العسكريين على إصدار ما يرونه مناسبًا لأجل استمرار الجيش بمهمته الأمنية خاصة،إعتقال أفراد المنظمات الفلسطينية”.
يعترف المجتمع الدولي مُمثلا بمؤسساته وفي مقدمها الأمم المتحدة أن الضفة الغربية وقطاع غزة أرض محتلة من قبل إسرائيل،التي هي قوة إحتلال حربي فرض سيادته وانشأ إدارة عسكرية في أرض فلسطين ،وصدرت قرارات دولية كثيرة وملزمة عن الأمم المتحدة وأجهزتها تدين فيها إمتناع دولة الإحتلال عن تطبيق إتفاقيات جنيف على الأرض الفلسطينية.
ومن أحدث المواقف القانونية الدولية الصادرة عن أعلى مراجع الفقه القضائي الدولي ،ذلك الذي أعادته “محكمة العدل الدولية”، في رأيها الإستشاري حول الجدار العازل عام 2004م بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة :ضرورة إنصياع دولة الإحتلال لواجباتها تجاه الأرض المحتلة واهلها وتطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني.

3- مصطلحات الإحتلال للأسرى:
تستخدم دولة الإحتلال مصطلح “معتقلون”او “سجناء أمنيون”بدلا من مصطلح”أسرى”أو “أسرى حرب”كي تتحلل من إلتزاماتها بموجب القوانين والإتفاقيات الدولية الملزمة وخاصة إتفاقييتي جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949 وملحقيهما عام 1977م ،ذلك ان دولة الإحتلاللاتعترف أن الأرض الفلسطينية أراض محتلة ،بل هي “متنازع عليها “،و”أرض دون سيادة”،بحجة أن الضفة الغربية لنهر الأردن بما فيها محافظة القدس ،كانت تحت الإدارة الأردنية،وتم ضمها للمملكة الأردنية الهاشمية بعد تطورات ونتائج الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م،وبالتالي ليس لها هوية محددة أو مستقلة ،والأمر نفسه يسري على منطقة لواء أو قطاع غزة ،إذ ترى سلطات الإحتلال السياسية والقانونية والعسكرية أنه أرض تم وضعها تحت وصاية مصرية بعيد العام ذاته1948م!،”ومن ثم يترتب على( إنتفاء التواجد الشرعي !!)لكلا من الأردن ومصر على الأراضي الفلسطينية إنتفاء صفة الإحتلال للتواجد الإسرائيلي على هذه الأراضي”كما لخصت مؤسسة “الحق”(في رام الله)القانونية الفلسطينية غير الحكومية ،موقف سلطة الإحتلال من المسألة.
وبهدف التحايل على القانون الدولي وإتفاقياته بخصوص معاملة أسرى الحرب ،تستخدم السلطة القائمة بالإحتلال في فلسطين مصطلحا غريبا هو:”اسيرأمني”،كي تتهرب من معاملة أفراد المنظمات العسكرية الفلسطينية كاسرى حرب ،مثلهم مثل جنود الجيوش النظامية.
وهناك مصطلح آخر،إبتدعته سلطة الإحتلال، هو “المقاتلون غير القانونيين”،”إذ يُرتب “قانون سجن المقاتلين غير القانونيين”من العام 2002 السجن بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين الذين يقاتلون ضد إسرائيل ولا يحظون من ناحية القانون الدولي الإنساني بمكانة أسرى حرب. ويحدد القانون بأن “المقاتل غير القانوني” هو كل إنسان يشارك في العمليات العدائية ضد إسرائيل، ولو بصورة غير مباشرة، وكذلك كل إنسان ينتسب إلى قوة مقاتلة ضد إسرائيل”،وفق تقارير مركز “بتسليم”الحقوقي الإسرائيلي..
على اساس هذا الراي لسلطة الإحتلال ،لاتقر حكومات العدو المتعاقبة بالمسؤوليات والواجبات القانونية التي يوجبها ويفرضها القانون الدولي الإنساني على سلطات الإحتلال،وترفض تلك الحكومات تطبيق إتفاقية جنيف الثالثة التي تعامل أسرى أي إقليم تم إحتلاله من قوة عسكرية غريبة، كأسرى حرب، لهم حقوق وواجبات مُعترف بها من الأمم والشعوب المتمدنة ،ثم هي ترفض ،ايضا، تطبيق إتفاقية جنيف الرابعة التي تقر بواجب أية سلطة إحتلال لأي إقليم ،معاملة مدنييه وفق قواعد ومعايير إنسانية وقانونية مُلزمة تُحرم إعتقالهم أو تعذيبهم أو تجويعهم او إرهابهم أو التدخل في شؤون حياتهم،فما بالك بقصف بيوتهم الآمنة وأحيائهم ومدنهم ومخيماتهم بعشرات القاذفات العملاقة من فئة “إف 16” وصواريخ البارجات والمدفعية الثقيلة كما حدث في محو أحياء كثيرة وهدمها على رؤوس ساكنيها من المدنيين في معظم أنحاء قطاع غزة في ثلاثة حروب كبرى مدمرة في العوام 2008 و2012 و2014؟! .

4- إتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة والأسرى العرب:
تدعي السلطة القائمة بالإحتلال في فلسطين،ويناصرها في ذلك منظمات حقوقية وسياسية رسمية وغير رسمية في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية وبعض أجهزة الأمم المتحدة،كاللجنةالدولية للصليب الأحمر الدولي ،ان نصوص مواد إتفاقية جنيف الثالثة لاتنطبق على الأسرى العرب الفلسطينيين المقاومين للإحتلال،وأن عشرات الآلاف من الأسرى ونزلاء سجون ومعتقلات العدو ،هم معتقلون (شأنهم شأن أي معتقل جنائي) وليسوا أسرى حرب، أضف إلى ذلك ،إدعاء تلك المؤسسات أن الإتفاقية المذكورة مُلزمة لأطرافها من الدول الموقعة عليها ،وأن ماينطبق على الفلسطينيين تحت الإحتلال هي إتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بمعاملة المدنيين أثناء الحروب والنزاعات المسلحة،دون أن تلزم تلك الدول وتلك المؤسسات حكومات سلطة الإحتلال في فلسطين حتى بتطبيق هذه الإتفاقية الأخيرة او بعض بنودها في ضوء العجز العربي الرسمي الكامل!الأمر الذي يجعل من توقيع السلطة الفلسطينية على تلك الإتفاقيةوالإنضمام لها ،مايسمح للفلسطينيين التقدم لمحكمة الجنايات الدولية وتحريك دعوى جرائم حرب بحق القيادتيتن السياسية والعسكرية، في دولة العدو ،إن لم توافق سلطة الإحتلال ،على إطلاق سراح الأسرى العرب الفلسطينيين،والتعهد بعدم أسر وإعتقال بعضهم من جديد كما حصل بعد إطلاق الأسرى بموجب “صفقة شاليط”! ذلك ان الأمم المتحدة تعترف في مواثيقها وإتفاقياتها القانونية الدولية الملزمة أن مقاومة الإحتلال، بكل الوسائل والسبل، ليس بجريمة من بعيد أو قريب،الأمر الذي يفرض على المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التعاون مع مثيلاتها العربية والإسلامية والعالمية،والنضال من أجل إضافة فقرة جديدة،للفئات المشمولة بالحماية المقررة لأسرى الحرب،فيإتفاقية جنيف الثالثة ،تنص صراحة على إعتبار مقاومي قوى الإحتلال ،أسرى حرب ،وليسوا من المعتقلين الجنائيين،كي تواكب تلك الإتفاقية المهمة للشعوب، شرعة القانون الدولي لحقوق الإنسان ،ومبادىء القانون الدولي الإنساني ،اللذان تقدما كثيرا بعيد إقرار إتفاقية جنيف الثالثة ، من دون ان يواكب تقدمهما أي تقدم يذكر على صعيد إتفاقيات جنيف الأربعة التي تم إقرارها في الثاني عشر من أيار /مايو 1949م،وبروتوكليهما الإضافيين الأول والثاني في العام 1977م.

5- خلاصة قانونية
إن اللبس في تطبيق مواد إتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م وملحقها الإضافي عام 19777م،لايعود للأسباب الواردة آنفا،فحسب،بل للتناقض في القانون الدولي وإتفاقياته ومعاهداته وتفسيراتها ،وضعف المؤسسات القانونية العربية التي ماتزال غائبة عن قضايا مصيرية عربية،وتغول حكومات الولايات المتحدة الأميركية المتعاقبة وإستخدامها لوسائل ترغيب وترهيب كلما تعلق الأمر بنصرة القضية الفلسطينية على مستوى القانون الدولي ومؤسساته،وهوماظهر بوضوح في مسألة معركة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012م التي فازت فيها فلسطين بعضوية مراقب بتصويت وموافقة 139 دولة لصالح اقرار التاريخي الذي سبقه تهديدات وضغوطات أميركية جبارة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية،فضلا عن “قدم بعض احكام وإتفاقيات القانون الدولي ،التي مرَ عليها عقود ولم يتم تحديثها أو تطويرها للإستجابة للظروف الحديثة،أو لظرف معين،إذ أن تلك الإتفاقيات التي وضعت في العام 1949م لإستخلاص العبر من المعاناة التي سببتها الحرب العالمية الثانية للبشرية،إنما كانت موجه للتعامل مع إحتلال قصير الأمد ،كالإحتلال الألماني لفرنسا،ولم توضع للتعامل مع إحتلال طويل الأمد كالإحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والعربية المحتلة المستمر منذ العام 1967م،والذي تجاوز الإحتلال إلى الإستعمار”، وبناء مئات المدن والبلدات الإستعماريةالآهلة بما يزيد عن ستمائة وواحد وثلاثين ألف مستعمر يهودي ،الأمر الذي يجعل من مسالة المستعمرات في حد ذاتها جريمة حرب كبرى مستمرة،يجب تقديم شكوى بحقها لمحكمة الجنايات الدولبة من طرف السلطة الفلسطينية(بعد المصادقة على ميثاق المحكمة) أو أي دولة عربية موقعة على” ميثاق روما”المؤسس لتلك المحكمة،مما يُفترض وضع السلطة القائمة بالإحتلال تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ،القاضي بإستخدام القوة العسكرية ضد دولة تهدد السلم والأمن العالميين ،بسبب تحريم إحلال سكان من جنسية سلطة الإحتلال في أرض أو جزء من أرض أي إقليم أحتل بالقوة العسكرية،أو نقل وتهجير سكان اصليين من أي جزء من وطنهم الذي تعرض للإحتلال،وهومانصت عليه مادة مستقلة من مواد إتفاقية جنيف الرابعة صراحة، ، ذلك ان المادة (39)من مواد الفصل السابع ،أتاحت لمجلس الامن ان يتخذ قررا باعتبار الحالة المعروضة امامه تمثل تهديدا للسلم أو إخلالا به، أو ان ما وقع يعد عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين :(41) التي تنص:” لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته…..، ويجوز أن يكون من بينها ،وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.)،والمادة(42)التي تنص :” وفي حالة ان يتضح لمجلس الامن ان التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض اجازت له هذه المادة أن يقرراستخدام القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة”. للقيام بما يلزم من اعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه.
وبعد أن تحقق إنضمام السلطة الفلسطينية لإتفاقيات جنيف ،إثر إعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين عضو مراقب فيها عام 2012م ،ثم بعد مصادقة السلطة ذاتها على إختصاصات “المحكمة الجنائية الدولية” عام 2009م من خلال مذكرة وزير العدل الفلسطيني ،يتطلب واقع النضال الفلسطيني الراهن ،سيما بعد صمود الفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة في قطاع غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير، ضرورة التوقيع على “ميثاق روما”المؤسس ل” المحكمة الجنائية الدولية”،كي يكون في إستطاعة الفلسطينيين، مقاضاة المسؤولين السياسيين والعسكريين في دولة العدو الصهيوني ،والأشخاص الذين يعملون في السجون الإسرائيلية،أمام “المحكمة الجنائية الدولية” وفي محاكم وقضاء مائة وإحدى وعشرين دولة(121)، في العالم ،وهي أطراف في ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، مما يعني أن كل دولة من تلك الدول مُلزمة بإعتقال أي مسؤول إسرائيلي مُتهم بقتل او تعذيب أو إعتقال اي أسير فلسطيني،حال سفر ذلك المتهم لأي من تلك الدول ،فضلا عن إمكانية التقدم لقضاء سبع وأربعين دولة ياخذ قضائها بالإختصاص العالمي في قبول اي دعوة ترفع امامه ضد اي مجرم حرب إرتكب اية جريمة قي أي مكان من العالم ،إذ رأينا كيف فر العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الصهاينة من بريطانيا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية والإسكندنافية،بمجرد رفع بعض ذوي الضحايا الفلسطينيين دعوات أمام محاكم تلك الدول.
………………………………………………………………………………
*مستشار علمي سابق للأمم المتحدة بغزة وأستاذ جامعي حاليا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى