ليلى والضبع / سهير جرادات

“ليلى والضبع”
سهير جرادات

من ذكريات الطفولة الأردنية الجميلة ، “التربية المبطنة” بطريقة سرد قصص المساء على لسان الجدات ، والتي تعرف بقصص ما قبل النوم ، وهي أحد أساليب التربية القديمة،لايصال الرسائل غير المباشرة للأحفاد؛ لتنهيهم عن سلوك أو فعل سلبي ، أو للتمسك باخلاقيات معينة ، أو إعطاء إشارات تحذيرية عن تصرفات بعينها .
وحتى تصل الرسائل للعقل الطفولي البسيط، الذي يصدق كل ما يقال له، خاصة أنها تصدر من أشخاص مسؤولين عن أمن واستقرار الأسرة ، و يحاولون جاهدين إيصال ما يريدون من خلال القصص ، وليس شرطا أن تكون هذه القصص منطقية في أحداثها أو طريقة سردها ، وحتى لو أراد الأطفال وقف القصة لطرح سؤال استفهامي ، تكون لهم الجدة بالمرصاد ، وهي ” تزورهم ” بقولها ،”هذه هي قصة وعليكم قبولها كما هي ، وليس لكم الحق في التدخل أو حتى الاستفسار عن تفاصيلها”.
من منا لا يذكر قصة ” ليلى والذئب ” ، التي تحول اسمها في بعض مجتمعاتنا القروية إلى ” ليلى والضبع ” ، من باب زيادة الاثارة ورفع وتيرة الرعب، وايصال الرسالة وبطريقة مبطنة بالترهيب.
” ليلى ” ، كما جاءت في رواية جداتنا ، كانت في طريقها إلى بيت جدها لايصال طنجرة ” المقلوبة” السخنة في وقت الغداء ، ليلحق بها ” الضبع ” الذي كان موجودا في منطقة متطرفة بعيدة عن بيوت البلدة ، وخلال سيرها في الطريق شعرت بأن هناك من يراقبها متتبعا إياها ، ويرسل لها تهديدات ويتوعدها، واستسرت بحقيقة مشاعرها أحد الأقرباء الذي صادفها في طريقها.
ولاستشعارها بالخطر من ذلك “الضبع ” الذي يتبعها توقف على قارعة الطريق وكتب ورقة بحقيقة مشاعرها وتخوفاتها ، ومكان دفاترها الشخصية والأتوغرافات التي تضم أسرارها ، وصورها مع بنات الحارة والمدرسة .
وما أن وصلت ” ليلى ” إلى بيت جدها في المنطقة المهجورة ، حتى وجدت أن ملامح جدتها قد تغيرت عليها ، وأن عيونها أصبحت أكثر اتساعا وأنفها أكثر غرابة ، وفمها كبير “زيادة عن اللزوم” ، ولفطنتها أخذت بطرح الأسئلة على “الضبع” الذي أكل جدتها ، وفي رواية أخرى حسب بعض الناطقات الرسميات للجدات،قيدها وحبسها داخل الخزانة ، وعندما أدركت مدى الخطر الذي تواجهه ، قررت الانتحار قبل أن يأكلها ” الضبع ” وألقت بنفسها من على سرير جدتها نحو الأرض .
وعندما وصل الخبر إلى أهل القرية عن الحادثة المزعومة لانتحار” ليلى ” المشهورة بمعطفها الأحمر وطربوشها ذي “الكلكولة البيضاء” ، أخذوا بتأليف القصص والروايات عن حيثيات الحادثة والظروف المحيطة بها ، وبأدق التفاصيل من حالات توتر مرت بها ” ليلى” ، وعلاقاتها وايماناتها.
الصراحة أن الذي أثر على طريقة تفكيرنا ، وتقبلنا للأمور والأخذ بها كما تروى لنا دون أي تسلسل منطقي أو فهم لمضامينها قصص الجدات الخرافية غير القائمة على المنطق ، والتي لا تسرد من أي منطلق سوى الاقناع دون إقناع من خلال الترهيب والتخويف الممزوج بالوصف غير المنطقي والسرد الركيك لأحداث يقصد من ورائها توصيل تهديدات ، أو قد تكون دروسا وعبرا مستقاة من خلال القصص ، أو حتى تقبل الواقع دون إبداء أي استفسارات ، وتقبلها رغم عدم منطقيتها .
على مر الزمان بقيت ” ليلى” كما هي ، والذئب أو ” الضبع ” هو المتغير ، أما نحن المتلقون سواء كنا أطفالا أو كبارا وحتى شيوخا بقينا مستمعين ومتلقين للقصص والتفسيرات والتصريحات غير المنطقية البعيدة عن الواقع ، نتقبلها كما هي دون إبداء أي اعتراض أو طرح أي استفسار لسيطرة العقل الطفولي بتقبل القصص كما تورد من المصدر دون الدخول معهم في نقاش حول التفاصيل غير المقنعة .
وما زلنا لغاية اللحظة لم نتعرف على جدة ” ليلى ” ، هل هي جدتها لأمها ؟ أم لأبيها .
ويبقى مصير طنجرة ” المقلوبة ” الساخنة مجهولا ، هل أكلها ” الضبع” ؟
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى