عسكرة الأزمات – الكورونا مثالا

عسكرة الأزمات – الكورونا مثالا
الدكتور عمار سليم الخوالده

يصيب بعضُ أولي “الأمر وطنَنا الحبيب في مقتل عندما يديرون شأن الحكم فيه بانتهازية تعظم منالاتهم وتحرمه من الأكفياء المخلصين من أبنائه، فالدولة الأردنية وقد أصابها وَهنٌ إداري وسياسي عظيم باتت تُقصي المؤهلين المخلصين وتقرب بعض المؤهلين غير المخلصين و كثيرا من غير المؤهلين وهنا لا يختلف الأمر ان كانوا مخلصين أو غير ذلك، فخطرهم واحد وسوء أثرهم لا يمّحي
لقد تخذت الدولة الأردنية في مواطن كثيرة من الولاء للأشخاص لا للوطن معيارا لملئ كثير من شواغر مراكز القيادات العليا حتى أصبح الفشل والتخبط في إدارة الدولة عامة وإدارة الأزمات على الخصوص سمة ملازمة لها، وقد كان على ذلك شواهد كثيرة في ذاكرتنا الحديثة من أحداث الكرك الارهابية الى حوادث السلط والبقعة واربد والركبان وغيرها إذ سالت دماءٌ زكية من أجهزتنا الأمنية وجيشنا العربي ما كان لها أن تسيل مع إيماننا بقضاء الله وقدره.
ثم إن مديونيتنا التي تورمت بشكل سرطاني مفزع دون أن تنعكس بإيجابية على البنية التحتية أو كفاءة الخدمات أو الأخذ بأيدي المعدمين وانتشالهم من براثن الفقر وأنياب العوَز، غدت بؤرة تهديد لنسيج وطننا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وخصوصا في خضم الحديث عن مليارات الدنانير التي طارت إلى ملاذات آثمة كما ورد في ورقة العمل البحثية المنشورة على موقع البنك الدولي
أما في قارعة الكوفيد ١٩ فقد طغى على طريقة التعامل مع تبعاتها تخبط تخللته جرعات قصيرة الأمد من الاتزان حيث عُمِدَ إلى عسكرة الأزمة بطريقة توحي بمآرب أخرى
ليس هنالك مؤسسة في الأردن أكثر احتراما لدى الأردنيين وحبا من قواتنا المسلحة وجيشنا الذي أبى إلا أن يكون عربيا، فهذا ليس موضع نقاش، لكن الجيش العربي الأبي له دوره المقدس في الذود عن حياض الوطن ولا ينبغي أن يُزج به في “إدارة” الأزمة بهذه الطريقة، حتى سمعنا عباراتٍ غريبة في أن إربد “الآن تحت سيطرة القوات المسلحة” وكأنها كانت متمردة عليها فتم إخضاعها … إن للكلمات مدلولات محددة، وأن يقال على لسان مسؤولين أن على المواطنين “التقيد بتعليمات القوات المسلحة والحكومة” فذاك يجعل من القوات المسلحة مؤسسة موازية للحكومة في حين أنها مؤسسة وطنية تخضع لوزارة الدفاع فتعليمات الحكومة هي التي يُتَقيّد بها وقواتنا المسلحة الأبية تنفذها ان طُلب منها ولا تُصدرها.
ثم لنعد قليلا إلى الوراء وتحديدا إلى مسرحية المصاب الوحيد واحتفالية وزير الصحة بخروجه من المشفى وبطريقة استعراضية كان ينبغي عليه أن يربأ بنفسه عنها فالموقف الحكومي المعلن أصر أن لا إصابات الا واحدة حتى بدأت قوافل السواح العائدين إلى بلادهم تكشف عورة ما سُتِّر فاضطرت الحكومة أن تبدء رحلة “الفحوصات” والتقصي الوبائي واتخذت قرارا مفاجئا بالحظر أربك الناس وأدى إلى تكدسهم أمام المخابز والمحلات التجارية فازداد الاختلاط الذي أرادت الحكومة منعه وخرج من كان لا يود الخروج ليؤمن قوت عياله … ثم جاء الحل العبقري بإرسال الباصات إلى الأحياء لنشهد تدافعا جعلنا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار
لقد كشفت تلك الأحداث عورة الدولة بعدم وجود خطة وبائية معدة مسبقا وأصبح الارتجال سيد الموقف وهذا أمر غريب على دولةٍ فيها ما فيها من الوزارات والمؤسسات المختلفة، فالشركات العالمية الكبرى مثلا تضع وتراجع بشكل سنوي خطط طوارئ مختلفة منها خطة الطوارئ الوبائية فكيف بدولة لها أركانها؟
لقد فشلت الدولة برأيي في التعامل مع تلك القارعة استراتيجيا وإن حققت بعض النجاحات التكتيكية المنفصلة فقد كشفت مسألة سائقي الشاحنات مثلا عن هشاشة الاستراتيجية الحالية. والأغرب من ذلك إصرار الدولة على المضي قدما بنفس استرتيجية الحظر المثقَّبة دون أن تعيد النظر بما لم يعد صالحا، فالوصول الى استئصال شأفة الفايروس من الأردن ضمن المعطيات الحالية يكاد يكون مستحيلا كما يشيرالخبراء المعتبرون وقد بات جليا أن على الدولة أن تحسن إدارة التعامل مع وجود هذا الفايروس بتقليل التعرض له ما أمكن وتخفيف تبعات الإصابة به بالتركيز على الوقاية والجاهزية السريرية للمشافي لا أن تسعى للرقم صفر فذاك صعب المنال
أما من ناحية خلخلة البنية الدستورية للدولة فقد رأينا ما يُحزن، إذ أنّا جميعا خاضعون للدستور الذي جلّى الأدوار الدستورية لأركان الدولة، فالدور الدستوري للملك واضح وبيِّن حيث انه رأس الدولة بسلطاتها الثلاثة التشربعية والقضائية والتنفيذية ومما لا يتماشى مع مكانته الدستورية تلك أن تُظهِرَ الحكومةُ الملكَ وكأنه يستقوي بإحداها على الاخرى .. . الملك يتولى مسؤولياته الدستورية ليس بصفته عسكريا بل بصفته ملكا للأردنيين كافة، لذا فإن خروجه بلباسه المدني وقت الازمات أبلغ في توكيد المعاني السامية لمدنية الدولة مما قد يقصد ربما بحسن نية من ابراز خلفيته العسكرية وقت الملمات، فالجيش وهوالمؤسسة التي يجمع على احترامها الاردنيون جلهم تابع لوزارة الدفاع التي هي جزء من الحكومة المدنية التي أناط الدستور بها إدارة شؤون البلاد ومحاولات عسكرة الازمة بالطريقة التي رأيناها هو أمر جِدُّ خطير حيث انه يظهر أن القوات المساحة ندّ للحكومة وهو يمهد لعسكرةالحياة السياسية في الاردن بإعطاء الجيش دورا سياسيا بالإضافة للدور السياسي الرئيس لبعض الأجهزة الأمنية، وهو نذير شؤم فقد رأينا كيف فتكت جيوش العرب بشعوبها وما ميز الاردن تاريخيا عن غيره من دكتاتوريات العرب أن الجيش العربي الأبي خاضع دستوريا للسيادة المدنية وأن الدور الدستوري للملك دور مدني بامتياز على رأس السلطات الثلاث وأي محاولة لعسكرة الدور الدستوري للملك هي عبث بأركان الدولة الاردنية وتقويض لاساسها المتين. نحن ندرك أن الملك هو القائد الأعلى للقوات المساحة لكنه دستوريا على رأس السلطات الثلاث وبصفة مدنية ينبغي ألا تغيب عن بال من يرتبون برامج الملك ويقدمون له المشورة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى