عتاب .. / م . عبدالله الحنيطي

عاتبني صديق ٌ مقرب ٌ مني… اعتاد َ أن يسمع َ مني ما أكتب ….وقال ( ما لك بطلت تكتب ) وكان َ يقصدُ ما أكتبه ُعنك ِ ….لم أجب صراحة ً ( وتحججت) بانشغالي بمسؤولياتي الجديدة التي ألقاها علي َ زمن ُ خبأ لي كل َ ما في جعبته ِ من حزن ٍ و وجع…..أنهى المكالمة متمنيا أن يسمع َ في القريب ِالعاجل ِ شيء يُلامس ُ قلبهَ المفطور بمن يفتقدهم .
أغلقت الهاتف َ … ولذت ُ مسرعاً بالفرار ِ إليك ِ كعادتي…. أغلقت ُ باب َ غرفتي واختبأت ُ خلف َ زمانك ِ الذي رحل …….وقفت ُ بحضرة ِ الصمت ِ المُطبق ِ في أركانها …..لا يعرف ُ صديقي أني منذ ستة شهور… وأنا أنظم ُ من عيني قصائد َ شوق لن تنتهي …نعم لم أعد أكتب… بل تفيض ُ مني ولا حاجة َ لي لقلم ٍ أو ورقه …أرسلها فورًا عبر نافذتي التي تخترق ُ المدى وترحل إليك ِ….. حيث ُ أفترض ُ انك ِ في مكانٍ ما هناك… خلف الأفق… تجلسين َ مع الشمس بعد أن تغرُب …لتخبرك ِ كيف َ كان يومنا حين طلعت علينا……أو ساهرة ً على وجه ِ القمر.. تنتظرينَ موعد خروجنا المسائي كما كنا معك ِ … وردة َ المساء ونورَ الطريق …أو ما زلت هنا على بعد تنهيدةٍ واحدةَ مني ….ولكني لا أراك ِ …….
أعترفُ لك ِ أنني رغم َ إيماني …ما زلتُ أبحث ُ عنكِ….فأنت ِ في كل ِ مكان… وفي كل ِ الأشياء ….ولكني لا أعرف أين بالتحديد…..أبحث ُ… لعلك ِ في تلك َ (الأدراج ) التي افتحها كل َ ساعة …..ففيها بعض ُ مما أخذوه و خبئوه بعيدًا عن عيني….. ولكنهم نسوا خاتماً لطالما كان يمضي معنا… وشاهدا على أننا كنا في يوم ٍ سويًا…بعد أن تنكرت لي الدنيا وأجبرتني أن أبقى وحيداً… ..وما زال هناك َ شالين … حين أختنق ….يكونان جرعتي أليوميه لبقائي مع فَقدُك ِ…..أما الصور وقصاصات ٍ كنت قد كتبتها…. لن يسرقها مني أحد فهي أنت ِ…..أُحاورُ صَمتها … وأغرقُ في تفاصيل ِ سنينها …….
لم أعد أكتب …فليس َ هناك وقت ٌ للكتابة …..ففي الصباح أستيقظ ُ و أنشغل بالوسادة ِ المُسجاة ِ عن يميني أسالها عنك ِ ..وحين لا تجيب … أهرول للمطبخ… أطوف بغرف الأطفال ….أسعى بين مقعدك و(مطبخك) … أفتش تحت الفناجين التي تنتظر ُ من يملؤها أملا جديدا لنهار قد يكون موحشا ومتعبا …..أناظرُ فراغ َ الأجواء ..أحاورُ الصمت ……أتوارى في فقدك ِ ……أنصهرُ بعذابات ِ الشوق ِ وغصة ِالحنين ….
أسافرُ مع مقعدك الخالي كل يوم… في رحلات ٍ مكوكيه في كل الطرقات التي مشطناها عطراً وتأنقاً ….أذهب للأسواق… أفتش ُ فيها عن شالٍ وعباءةٍ سوداء و وجه من نور …أين أنت ؟؟؟ِ….. لقد أطلنا الغياب ..ويجب أن نعود…..فنحن مازلنا على موعد مع كل الدقائق واللحظات لعمر ٍ طويل لم ينتهي بعد ….
مازلت أحط ُ رحالي كلما أتعبني الفراغ … في الأماكن التي رويناها أنساً و فرحاً بصحبة المحبين لك ِ ….هناك حيث الربيع الذي ينتظرك ُ ليصبح أخضر …حيث ُ الرمان الذي طالما غارُ من حمرة ِ وجُهك ِ في أيام ِ الصيف …..ولكنه ُ مازال َ رغم غيرته ِ منك ِ ينتظرك ِ ليصبح ووجهه أحمر …واستحال على العنب ِ أن يستوي … .حتى وأن بدا متلوناً بلون (أشارك) الأصفر … وشجرة اللوز (شجرتك)….. التي تطرح ثمرها قبل موعدها…. مازالت هي الأخرى تنتظرك ِ …..ولغاية الآن لا أُفرق بين التين (العداسي) أو (الموازي ) أو الأنواع الأخرى ولكن كلها بلا شك بطعم الفراق…. ولون قلوبها بلون حرقتي عليك….
أعرف ُ أنه لا ينطلي على الحزن ِ فرح ٌ ….. ولا على الفقد ِ صُور… ولكني ما زلت أُُشكل من طيفك ِ حضورًا ….ومن ابتسامتك أصطنع ُ فرحة ً …ومن ماضي الأيام مستقبلا ….أ ُجمل الأشياء بلون لا يشبه ألا لونك …….ِ
…… أهرب لكل محبيك …..أفتش في عيونهم عن أسمك ِ …. ألذي لم يعد يتردد من شفاههم….أقرأه في صمتهم …….ملامِحَهم ملامحك …..ولفتاتهم تشبه لفتاتك ِ…. في صمتهم أبلغ الحديث … وفي وجوههم أنقى الصور …
لم أعد أكتب …فقد أورثتني ملايين التفاصيل …. .منشغل بِعدِها …. كلما أخطأت أبدأُ العد َ من جديد….تفاصيل لونت أفراحنا …وشكلت أسمائنا …وملئت سمائنا أحلاماً بحجم ِ غيابُك ِ ….وأتساع ِ المسافة ِ بيننا وبينك …..
أنت ِ … أأأه عليك أنت ِ ….بعد َ رحيلك ِ .أصبحنا كل َ شيء…..نحن ُ غيبة َ المغتربين َ عن بيوتهم وأرضهم …نحن لهفة الطفل لأمه …..نحن ……نحن أنصاف الأشياء التي لن تكتمل ……وبقايا من ماضي جميل …
حين أجدك سوف أعاود الكتابة من جديد… ولكنني سوف أبقى منشغلا …هل أخط الحروف من ذهب …..أم أخطها من نور….

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى