عبقرية الفشل في الأردن / د. نبيل العتوم

عبقرية الفشل في الأردن : الأمناء العامون للوزارات نموذجاً

«التطهير بالقمامة» أسلوب ابتكره جديد ابتكره الأوكرانيون لمعاقبة مسئولي الدولة الفاشلين في الحكومة عن إنجاز مهامهم، حيث يتم إلقائهم في حاويات القمامة؛ بحجة أنهم عاجزون أو متورطون في عمليات فساد، وتصويرهم في مقاطع فيديو ونشرها لتوثيق الحدث، بوصفه جزءا من ظاهرة «التطهير بالقمامة» حسب تسميتهم هذه، ولقيت هذه المقاطع رواجاً كبيراً بين وسائل التواصل الاجتماعي العالمي .
من سخريات الإدارة العامة في الأردن ، ومن الغريب العجيب أن المسئولين الفاشلين لدينا على العكس من ذلك تماماً ، يتم تدويرهم تباعاً ،” وعلى عينك يا تاجر” ؛ فهم يحظون غالباً بفرصة ثانية وثالثة بالتمديد ، وكأن البلاد قد خلت من الكفاءات والنخب الناجحة والمؤهلة ، فتكون النتيجة مزيداً من الفشل والتخريب ، و تفشي الفساد المفضي إلى الفوضى ؛ يبدو أن رسالة الأردنيون ، واللذين أثبتوا أنهم أقوى من الظروف والتحديات، لم تصل بعد ، وذلك عندما خرجوا بإرادتهم الحرة إلى الدوار الرابع ليطالبوا بتغيير كامل للنهج ، و برئيس جديد للوزراء يرونه معبرا عن آمالهم وطموحاتهم ، و يكون قادراً على التحرك والدفع بهم نحو الأمام ، لا أن يحول عزيمتهم إلى بُؤس ، وطموحهم إلى يأس، وهذا للأسف ما بات يحدث اليوم في الأردن بالنسبة للنخب التي باتت تقود الأردن ، من وزراء ووكلاء وزارات ، ومدراء عاميين ، وغالباً ما يكون جُلهم هابطين بالمظلات والبرشوتات ، خذ عندك مثلا المضحك المبكي أن هناك مسئولين لا علاقة لهم حتى بأمور وزاراتهم ، ولا حتى أن تخصصاتهم تتناسب مع طبيعة عملهم ؛ وعادة ما يقال لنا أن الوزير منصب سياسي ، وأن الأمين العام هو صاحب الموقع التنفيذي المهم ، والبعيد عن عملية التغيير ، حفاظاً على الانجاز، واستكمال المشاريع ، رغم أنني لا أتفق مع هذا الرأي البتة ، لكن جل الانتقادات دوماً ما يتم توجيهها إلى الوزراء ، لكن هل تسألنا يوماً ماذا عن إنجازات الأمناء العاميين للوزارات ” دولة الرئيس” اللذين لا يتم إلقاء الضوء عليهم ، وهل يتم فعلاً تقييم أدائهم وانجازاتهم على أرض الواقع ؟ وهل هم مؤهلون للاستمرار في وظائفهم ؟ ، و ما هو مدى أهليتهم لتولي هذا الموقع لسنوات عديدة ، دون ربط بقائهم بالموقف الشخصي للوزير، ودرجة رضاه عنه ، وكأن الموضوع بات لا علاقة له بمصلحة الدولة والشعب ؟ ، ودعني أضرب هنا لكم مثلاً العديد من الوزارات الخدمية ، ودور الأمناء العامين فيها ، اللذين يعدون الخطط التنفيذية ، ويشرفون عليها ، طبعاً مع عدم إعفاء الوزراء المعنيين من مسئولياتهم ، و التي للمواطن الأردني علاقة شبه يومية بهذه الوزارات ، وفي مقدمتها البلديات ، حيث لا يمتلك أمينها العام الجرأة والمقدرة منذ تسلمه لموقعه الخروج علينا في مؤتمر صحفي ، أو لقاء تلفزيوني ليشرح لنا فيه طبيعة عمل وزارته وانجازاتها خلال الفترة التي أصبح فيها أميناً عاماً منذ أكثر من أربع نوات ولغاية اللحظة ، كيف لا وهي رائدة المشاريع الخدمية الفاشلة في المحافظات ، و حاملة لواء التخبط في الإنفاق على مشاريع المحافظات وخططها، والتي تشكل نموذجاً لهدر المال العام وضياعه ، وتشكل نموذجًاً لعبقرية الفشل العلمي والإداري في إدارة هذه الوزارة المهمة والحيوية ، هذا عدا المماطلة والتسويف والبيروقراطية الشخصية المقيتة للوقوف على احتياجات الناس الخدمية ، وتعطيل معاملاتهم ، وقس على ذلك الأشغال التي فشلت لغاية اللحظة في انجاز طريق دولي يربط بين شمال الأردن وجنوبه ، من خلال إصلاح وإعادة تأهيل 2كم لأكثر من عامين ، ووزارة المياه التي لم تنفذ خطتها لغاية الآن لتنفيذ الخطط البديلة لإيصال مياه الشرب ، وإنقاذ محافظات بأكملها ، والتي بات يُعاني أهلها من العطش الشديد ، ويناشدون المسئولين ليل نهار الالتفاف لمطالبهم ، ولا حياة لمن تنادي ، وكأنك أصبحت تعيش في أحد دول إفريقيا النائية ….. وقس على ذلك الوزارات الأخرى كالصحة ، والنقل …. ، هؤلاء المسئولون “الخدميون” اللذين تقلدوا مناصبهم لأكثر من خمسة سنوات، و لم يحققوا لمؤسساتهم ، و لا لوزاراتهم سوى الفشل و الخسارة والتخريب، وتشويه صورة الدولة ، والنظام الحاكم ، والتي بدت في الواجهة أمام الناس لتوجيه اللوم والنقد اللاذع شبه اليومي ، يجب أن تتم محاسبتهم ، المصيبة أن بعضهم جرى “تكريمهم” بنقلهم إلى منصب أعلى وأرفع ، أو حتى إلى مؤسسات أخرى، للاستفادة من خبراتهم في سوء الإدارة والتخريب ، نظراً لاعتبارات جهوية، وخدمة للمحاسيب والمتنفيذين ، المثير أيضاً أن هناك أيضاً مسئولون فاشلون منذ الأيام الأولى لتقلدهم مناصبهم و مهامهم، ومع ذلك استمروا في مناصبهم ، وتم التمديد لهم لسنوات طوال ، على الرغم من ما يمر به الأردن من سنوات عجاف ، ولا نعرف لماذا ، ولا تجد حتى تبريراً مقنعاً لاستمرار بقائهم .
في تفسير مثل هذه الظاهرة “ الفاسدة ” في بلدي الأردن ، هناك جملة أسباب أبرزها: الجهة التي تُقدم التقييم “الكاذب” حول أداء هذا المسئول أو ذاك ، لا سيما في قطاعات الدولة المهمة والحيوية ، والتي يظهر فيها كالمنقذ ، وكرجل المرحلة ، إلى جانب غياب التقييم العلمي والإداري المستند إلى معايير الكفاءة والقدرة على الإبداع والتطوير ، ثم لا ننس الشليلية والواسطة ، والعلاقات الشخصية والمحسوبيات ، واللوبيات ، إلى جانب المحاصصات الجهوية ، والحسابات الجغرافية المقيتة ، و شبكة المصالح ” المافيات ” التي لا زالت تمارس دوراً هاماً ومؤثراً في ترسيخ النظرية الشائعة القائلة” أعطوه فرصة يا عمي ” ، والوقت الكافي حتى ينجز ويُنتج، ، وكأن المواطن بات يحتمل بقائه حقلاً لتجارب الفاشلين ، على الرغم مما أنتجته الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجه الأردن من تحديات ومتغيرات ، دون اكتراث لخطورة الاستمرار في التجريب في مثل هذه الظروف، وللأسف فقد لمسنا كمواطنين معاناة شديدة من مسألة التجريب طوال هذه السنوات ، سواء في القضايا الاقتصادية الوطنية الرئيسية، أو الخدمية المهمة كالصحة والنقل والأشغال والبلديات والنقل … ، أو في الملفات الأخرى لمختلف مؤسسات الدولة وجهاتها العامة.
ما يقلقنا اليوم، هو الاستمرار في الاستمرار في تبنى هذا النهج أيضاً، لجهة التمديد لمسئولين تنفيذيين ؛ وفي مقدمتها الأمناء العاميين للوزارات الخدمية ، والتي لم يحصدوا خلال فترة وجودهم في الحكومة سوى الفشل والسمعة “السيئة” بين المواطنين، فمثل ذلك الأمر، كان بمنزلة رسالة إحباط ويأس لعموم الأردنيين اللذين باتوا يصارعون كل أعباء الحياة ومخاطرها ، وانخفض منسوب الأمل في الإصلاح والتغيير إلى مستويات غير مسبوقة ، وفقدت الدولة الأردنية تاليًاً قوة دفعها الشعبية في مواجهة التحديات المصيرية التي تواجهها ، وباتت شرعية الانجاز فيها برمتها على المحك .
لكي تتصدى الدولة للتحديات الخارجية يجب أن تشهد الدولة الأردنية إعادة ترتيب وتنظيم لبيتها الداخلي ضمن رؤيه وخطاب ينشد الإصلاح عبر التجديد في جميع مؤسسات الدولة التي أثقلتها كاهل المديونية والفساد في كافة مرافق الدولة ، نعم يوجد أزمة ثقة مُتراكمة بين الشعب وممثليه وحكوماته عبر السنوات السابقة ، وبالتالي لا بد من استعادة ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها ، وهذا لن يتحقق في ظل إقصاء الكفاءات ، وغياب العدالة و الشفافية والنزاهة ، وانتشار الفساد الإداري والمالي ، وفي ظل أزمة النخبة السياسية والاقتصادية والإدارية الممله ، والمعاد تدويرها ، والتي باتت اليوم عاجزة تماماً عن فهم معنى التطور ، والتوائم مع استحقاقات المرحلة القادمة لدرجة يمكن القول أن هذه النخبة أصبحت تعاني اليوم من إفلاس وغياب في الرؤيا وانعدام في المصداقية، وفقدان ثقة الشعب واحترامه ، حيث ساهمت جميع العوامل سابقة الذكر إلى توفير مناخ عام يتيح لِـجماعات متشددة خلق بيئة حاضنة لها من التشدد والتطرف في بلدنا الأردن .
الأمل يا دولة الرئيس لا تصنعه النوايا الحسنة ، لا بد من تصحيح السياسات والإجراءات “المتخبطة” للحكومة ، وإعادة بناء ما تم تخريبه في مؤسسات الدولة عبر شيوع الفساد وتعينات المحسوبيات والعلاقات الشخصية، لا بد كذلك من تحليل الواقع واستشراف المستقبل بشفافية وموضوعية لمواجهة التحديات، ووفق خطط مدروسة ، وإعادة بناء الأردن بشكل أفضل .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى