#وجهُُ_فلسطيني_بالشماغ_الأردني / شبلي حسن العجارمة

#وجهُُ_فلسطيني_بالشماغ_الأردني
﴿لهجة الوجع!﴾

قبل يومين کان البرد أقل ما يقال عنه بالقارس وأکثر ما يوصف بالزمهرير، لحنُُ يعوي في کل فراغات الأرض ،وملامحُُ ترتسم علی کل الوجوه ،ولغةُُ لا تعرف سوی ثلاثة کلمات الوحوحة، والصکصکة ،والارتجاف،کنت أرکب سيارة فارهة لصديقٍ لي وکان برفقتي صديقان ، ونحن نمر من منطقة مرج الحمام ،ذلك الوجه العماني القادم والزاحف من زفير المدينة المکتظة،کان ذلك الرجل النحيل يقف علی قارعة الطريق ،يتمايل مع البرد ويتشبث بجيبتيه الصغيرتين ، عينان خضراوان ووجهُُ يشوبه الصفار وأنف أحدب ،کل تلك الملامح تطل من خلف لثامٍ بالشماغ الأحمر بلا عقال ،کلما اقتربنا من الرجل سمعت أحد صديقي يقول هذا الرجل فلسطيني من عيونه الخضراء،قال الأخر هذا أردنيُُ من شماغه الأحمر ، مررنا بالرجل الذي تخلت عنه کل الأرض فلا سقف يٶيه ولا سور يحميه من الريح حتی حافلة الرکاب العمومية حملت تلك الحسناء التي کانت تقف بجانبه وترکته بعد أن دفعه الکنترول نحو الأرض ، کانت سواٸل أنفه عصارة البرد الذي استوطن جسده النحيل، ابتعدنا عنه ولا زال وجهه متشبثاً بمرأٓة سيارتي ومرتسماً علی زجاجها الأمامي ، ولا زال صديقيَّ بحوارهم الفارغ ،أدرت مقود سيارتي من أول انعطاف وأسرعت نحوه وتوقفت أمامه قلت له إرکب،رمی بجسده المثلج في حضن المقاعد المشتعلة من حرارة الدفیء اعطيته رقاقة محرمة ليمسح وجهه ، کان يبحث عن أنفاسه بين لثامه ،اعطيته الماء ،وسألته لأقطع ترانيم دعواته فقلت له ” خال التعارف سنة من وين حياك الله ؟“ ، قال ”أنا من جبل النصر“ ، قلت له ”حياك الله بس احنا قلنا هالعيون الخضر مي من بلادنا برغم الشماغ شماغ بلادنا “ ، تنهد الرجل وقال ” أنا يا خال سيد سيدي انولد هون ، إحنا من جنين ،أه يا خال هو البرد والوجع بفرك بين الوجه الفلسطيني والشماغ الأردني ، الله يخزيك يا ابليس“، توقفنا أمام حانة القهوة ،وجاء الصبي ساٸلاً عن طلباتنا ، وإذا بالرجل صاحب اللصمة واللثام يفتح الباب نصف فتحة ويده الأخری علی جيبه ثم حلف بالطلاق ”إذا ما بدفع حك الکهوة من جيبتي إلا برجع انزل من سيارتکم للبرد أخری مرة “ ، ثم قال ” إذا الشماغ الأردني والوجه الفلسطيني ما عملوا خبز وملح بناتنا بلکي الکهوة الترکية إم النص ليرة بتسوي عيش وملح بناتنا “.
أطبق الصمت علی رفيقي، خجلا وتعرقت جباههم ، بقي لي أن أقول ”أن دينارين ربما أربعة نصاص وربما ثمانية رباع کانت بمثابة درسٍ تاريخي وسياسي وجغرافي واجتماعي موجع علی يد عامل بلاط بالمياومة لصحفي ومحامي ومعلم أکثر من مسلسلات وأفلام وبرامج متلفزة کلفتنا الملايين تلو الملايين“، عرفت من عامل البلاط أن لهجة الوجع لون رماديُُ محايد لا يعرف لوناً أو ديناً أو حداً أو عِرق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى