حوار غير مكتمل

حوار غير مكتمل
الدكتور ذوقان عبيدات

في نقاش حول التعلم وأهدافه ونتاجاته ينقسم المتحاورون إلى موقفين :

الأول ، يمثله صقور المادة الدراسية، الذين يؤمنون عادة أن قوة التعلم هي في حجم المعلومات التي يتلقاها المتعلمون . وأن نجاح التعلم هو في إثبات حدوث التعلم من خلال الامتحان.

والثاني يمثله صقور أو حمائم التعلم، الذين يؤمنون أن هدف التعلم هو بناء شخصية المتعلم. وأن نجاح المتعلم هو في مدى قدرته على مواجهة المشكلات الحياتية .

مقالات ذات صلة

هذان الموقفان تاريخيان بين أنصار المادة الدراسية، وأنصار بناء الخبرة والمعنى .. فهل المادة الدراسية هدف أم وسيلة؟

يقول التربويون، إن ما نتعلمه فعلا ليس المادة بل ما تقود إليه المادة. ولذلك يكون شعارهم :

نحن نتعلم بالمادة الدراسية ولا نتعلم المادة نفسها !! ولذلك تكون المادة وسيلة وليس هدفا!.

ما انعكاس هذا عمليا على النظام التعليمي؟

لكل نظام تربوي فلسفة، تترجم هذه الفلسفة في المنهاج. ويترجم المنهاج إلى كتاب – والكتاب إلى حصص- .

وأزعم أن جميع الأنظمة التعليمية تلتقي إلى حد كبير في الفلسفة، ثم تختلف قليلا في المنهاج، ثم كثيرا جدا في الكتب المدرسية.

فالفلسفة هي بناء الشخصية بطريقة أو وفق نموذج ما .

فالفلسفة الغربية تريد طالبا حر التفكير بينما الفلسفة المثالية تريد طالبا وفق نموذج الماضي.

الأولى تريد توجيه الطلبة إلى المستقبل، والثانية تريد إعادة إنتاج الماضي.

فالفلسفة المثالية تريد تدريس التراث الذي صنعه الأجداد بينما الفلسفة الغربية “التجريبية” تريد فتح نوافذ المستقبل!!

ولأن التراث هو الأدب والتاريخ و إضافة إلى الرياضيات وتاريخ العلوم . فإن المناهج قد توزعت بين المواد الدراسية المنفصلة، وهي اللغة والعلوم الإنسانية وتاريخ العلوم الطبيعية ، وللرياضيات باعتبارها تاريخا أيضا . فما زلنا ندرس في الرياضيات أن الأرض مستوية كما قال اقليدس وأن زوايا المثلث 180° وهذا ليس صحيحا بالطبع!!

المهم إن المادة الدراسية هي هدفهم وأن التقويم الدراسي هو في حفظ المادة وتذكرها حتى موسم الامتحان. وأن فشل الطالب ورسوبه يعنيان عدم القدرة على الحفظ والتذكر.

لدينا منهاج، تترجمه لي كتب، ومن البديهي أن يترجم منهاج واحد إلى عشرين كتابا مختلفا. وأعطي مثالا :

إن هدف متعلم منهاج اللغة العربية هو التواصل اللغوي كتابة وقراءة وحديثا وغيرها . وهذه الأهداف قد أحققها إذا :

درست الأدب الجاهلي أو لم أدرسه
درست الأدب العالمي أم لم أدرسه
درست الشعر أم النثر
درست تفاصيل النحو والعروض أم لم أدرسه

فإذا ترجمت المناهج إلى أهداف في الكتب فإن من المتوقع أن أحصل على عشرات الكتب لنفس المنهاج الواحد.

وهذا ما يسمى : وحدة المنهاج وتعدد الكتب! .

فالمنهاج هو الأصل وهذا ما يدفع الهيئات الدولية التي تجري اختبارا موحدا للعلوم والرياضيات لأكثر من ستين دولة ، وهي تعرف اختلاف الكتب عند جميع هذه الدول !!

إذن : إذا كانت المادة هي هدفي فإن علي أن أجري اختبارا خاصا في كتب كل دولة ! أو إن علينا أن نؤلف كتابا واحدا ونترجمه إلى لغة كل دولة !!

من وجهة نظري، الامتحان ليس مهما الا بمقدار كونه جزءا من التعلم وليس مجرد قياس للتعلم!!

وأشير في الختام، إلى أن الفرق بين طالب أردني وآخر هولندي قد يكون أقل بكثير من الفرق بين طالب أردني وطالب أردني آخر على الرغم من أنهما درسا نفس الكتاب.

ورأيي أيضا أن أهداف التعليم واحدة مع أن الكتب مختلفة عالمياً، وأن المعرفة المعلوماتية ليست هدفاً يجدر حفظه لأنها متاحة دائماً تحت الطلب، يعني ” ديليفيري” !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى