جينات متوحشة / محمد نغوي

جينات متوحشة
أبٌ يحث طفله على أن يدفع القطة الصغيرة التي تقف على حافة البلكونة في الطابق الرابع لكي يسقطها عنها، الطفل يتردد قليلاً ، ولكن إلحاح والده لا يترك له مجالاً فيدفع القطة لتسقط من هذا الارتفاع الشاهق ووالده يصور بالموبايل هذه اللحظة التاريخية!!! وفي مشهد آخر والد يطلب من ابنه الذي يحمل جرو صغير أن يضع قائمتي الجرو تحت عجلات السيارة ويحثه على ذلك، وعندما يفعل الولد يقوم والده بالسير على قائمتي الجرو بعجلات السيارة ويسحقهما وأحدهم يصور بواسطة الموبايل هذا المشهد البطولي !! مشهد ثالث وهذه المرة صوره سائق سيارة لسيارة أخرى وهي تسير بسرعة فيما كلب مربوط بحبل بها وهو على قيد الحياة ويتم سحله على الأسفلت !! . هذا غيض من فيض من مشاهد كثيرة يمكننا أن نتابعها عبر صفحات اليوتيوب، لمشاهد أبسط ما يمكن أن توصف به بالوحشية ملتقطة في العديد من الدول العربية، لا بل قد تجد بعض هؤلاء المتوحشون يلصق على سيارته لاصق يقول (إلا رسول الله) ليعبر عن حبه الكاذب للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن من يحبون الرسول هم من يتبعون سنته، ألم يقل صلوات ربي وسلامه عليه (دخلتِ امرأةٌ النارَ في هرَّة، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل مِن خشاش الأرض) وألم يقل صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الله).
وضمن نفس السياق المتوحش البعيد عن أبسط معاني الإنسانية، يكفي المرء أن يأخذ جولة على حدائق الحيوانات التي انتشرت في مختلف مناطق المملكة، والتي هي أبعد ما تستحق أن تسمى بالـ (حدائق) والأصح أن تسمى معتقلات تعذيب، فبمجرد أن تدخل أي من تلك (المعتقلات) تواجه (الزنزانات) المصطفة بجانب بعضها البعض لمختلف الحيوانات، حيوانات يجمع بينها أن معظمها تتضور جوعاً وتكاد عظام بعضها أن تظهر من تحت جلدها، أسود ودببة ونمور وذئاب موضوعة في أقفاص لا تتجاوز مساحتها واحد على عشرة من المساحة التي يجب أن تخصص لأي نوع منها، وذلك فقاً لمواصفات حدائق الحيوان في العالم، عدا عن قلة النظافة والروائح الكريهة التي تزكم الأنوف وحالة الإعياء والهزال التي تعاني منها تلك الحيوانات نتيجة انعدام العناية الطبية لها، أين نحن من قول الله عز وجل (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ).
إن العناية بالحيوانات بمختلف أنواعها ليست بدعة من البدع في تاريخنا الاسلامي، بل هي من دلالات وعلامات إزدهارنا في ذلك التاريخ، فأرض المرج الأخضر في دمشق كانت مخصصة لـ (تتقاعد) فيها الحيوانات المُسنة، حيث تُطلق فيها ويتم توفير الغذاء والماء والعناية الطبية لها إلى أن تنفق، وكانت هناك أوقاف مخصصة للعناية بالقطط الضالة والكلاب الشاردة لإيوائها ومداواتها واطعامها، حتى الطيور المهاجرة تلقت كل العناية والرعاية، ففي مدينة فاس المغربية تم تخصيص وقف لتلك الطيور التي تأتي مهاجرة في موسم معين لتأمين اقامتها، وكأنها ضيوف تحل كل سنة على المدينة، أما الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه فقد نهى الناس عن أن تركض الفرس في غير وجه حق، وكان للدولة موظفين متخصصين في مراقبة الأحمال على الدواب ومعاقبة من يُحمل الدابة فوق طاقتها، وفي سنيّ القحط أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بنثر الحبوب على رؤوس الجبال لاطعام الطيور، ولله در الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال (لو أن بغلة في العراق تعثَّرت لخفت أن أسأل عنها لِمَ لَمْ أسوِّ لها الطريق)، أما في زماننا هذا الأغبر الذي أصبح فيه الأب يزرع في نفوس أطفاله الكره بدلاً من الحب والقسوة بدلاً من الرحمة والانتقام بدلاً من المغفرة والوقاحة بدلاً من الحياء، فعلينا أن لا نتسائل من أين أتى أولئك الذين يرتكبون المجازر الدموية التي تقشعر لها الأبدان في بلداننا العربية، لأن أولئك هم ثمرة ما زرعت أيدينا، وما أورثناهم إياه من جينات متوحشة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى