صناعة الطواغيت

صناعة الطواغيت
د. قــدر الدغمـي

ما زالت ثقافة التقديس وصناعة الطواغيت تسيطر على الذهنية العربية، القائد، الزعيم، الفارس، الباشا، شيخ مشايخ، شيخ العشيرة، المختار، العمدة، إلى غيرها من مصطلحات المدح الجاهلي والتطبيل والتزمير من بطانات السوء والأقزام واصحاب المصالح والمتسلقين.
البعض تراهم ينزهون بعض الاشخاص عن أي خطأ، وتجد منهم يضفون عليه هالة من القداسة ويسبحون بحمده ويهللون له ليل نهار زورا وبهتانا، ويؤيدونه بحماس على أي عمل بسيط يقوم به، وهذه الظاهرة تقع تحت مسمى (التقديس الأعمى) وتسمى بالعبودية النفسية وهو سلوك مرضي ينتشر غالبا بين من يتعرضون للاستبداد والقمع والاضطهاد المستمر.
هناك ايضا من يرى في بعضهم أنه لا يبلغه الزلل من خلفه ولا أمامه حتى وإن كان فاسدا عليم الفساد، لقد بات الشخص المقدّس جزءاً من حياة البعض، وبدونه يشعرون باللاوجود وبافتقاد الذات وبأنهم عرضة للضياع والتهلكة والزوال في أي لحظة، ومنهم من يورث تلك القداسة والعبودية للأبناء والأحفاد من بعدة.
يجب أن نعترف بأن حالة التقديس مشكلة واقعية ومرض حقيقي يحتاج لعلاج فعال، وعلينا أن ندرك بأن النقد البناء ظاهرة صحية وإيجابية، وأن تسليط الضوء على السلبيات ومعالجتها وإبراز الإيجابيات والإشادة بها والثناء عليها يدفع إلى الطريق الصحيح، وعلينا ايضا أن نعي ونفرق ما بين الشخص وذاته وبين فعله وعمله فكل فعل وعمل يحتمل دائما الخطأ والصواب فهو محل نقد وتقويم.
نتيجة للتطبيل نرى بعض الطواغيت اغتروا بأنفسهم وشافوا نفوسهم فوق الجميع، وهم فوق النقد ولا يجرؤ على أن يحاسبهم أي أحد، فمنهم من صدق نفسه وأصبح يراها فوق القانون وفوق الوطن على أنه الملهم وعاش الدور في خيال الآلهة، فالنفخ الزائد للنفس يؤدي إلى هلاكها ونهايتها، من هنا يبدأ التسلط والظلم والبغي والعدوان والغطرسة والكبر.
وعليه لا بد من التفريق بين التقديس والمبالغة في المدح لأي سبب، وبين التقدير وأنزال الناس منازلهم الحقيقية فالتعصب للأشخاص وإحاطتهم بهالات التبجيل والتمجيد وجعلهم فوق مستوى البشر هو احتقار للنفس وفراغ ونقص وخواء فكري وضحالة وإفلاس ما بعده إفلاس، وكما قال المفكر مالك بن نبي: “الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكاراً، بل ينصّب أصناماً”.
اليوم في المجتمعات الحديثة والمتقدمة لا مكان فيها لتقديس الأشخاص مهما علت مكانتهم أو شهرتهم، ولا مكان ايضا للمطبلين لقد تغير العالم، وانتهى زمن العبودية وتأليه الأشخاص كما كان في العصور الغابرة، ومقياس المجتمعات اليوم هو العمل والابداع والإنجاز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى