أديب من مدينة الثقافة

عمان – إبر اهيم السواعير- تهتم هذه الزاوية الأسبوعيّة بقراءة الأدباء في مادبا، الشباب منهم والروّاد، احتفالاً بتتويجها مدينة للثقافة الأردنية 2012.
في السياق كان هذا اللقاء مع الشاعر سعيد يعقوب، من مواليد مادبا 1967، يحمل بكالوريوس اللغة العربية، عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، أصدر ديوانه الأول (العلائيات) عام 1985، ليصدر عام 2007 (الدر الثمين)، فتتوالى دواوين: في هيكل الأشواق، عبير الشهداء، رنيم الروح، قسمات عربية، ندى الياسمين. حاز جوائز في الشعر، منها: المعلم الأديب، سعيد فياض اللبنانية، وهو عضو اللجنة العليا لمادبا مدينة الثقافة.
• يتهمونك – الناثرين أعني – بأنّك تضع المتنبي؛ فتخيط عليه ما يدهش غير الدارسين لهذا الشاعر. ماذا تقول؟!
المتنبي بإجماع المنصفين هو قمة الشعر العربي والذروة السامقة للعبقرية الشعرية العربية في كل العصور وهو الشاعر الذي نقدمه أنموذجاً للشعر العربي عالمياً، فإذا افتخر الإنجليز بشكسبير والفرنسيون بفيكتور هيجو والألمان بيوهان جيته والإسبان بلوركا والرومانيون بمنيهاي امينسكو والهنود بطاغور، فنحن العربَ إنما فخرنا لا يكون إلا بالمتنبي لأنه وصل إلى مستوى رفيع في التجويد الفني لم يبلغه شاعر عربي لا في قديم الشعر ولا في حديثه. والغريب العجيب أنه لم يتعرض شاعر للظلم والإساءة في حياته كما تعرض المتنبي وأغري الشعراء بهجائه ووضعت المؤلفات لبيان سرقاته والغض من قيمته وتُوِّج ذلك بمقتله قرب دير العاقول وهو لم يتجاوز الحادية والخمسين. لقد ذهب ذلك كله وبقي المتنبي. لقد حفظتُ ديوان المتنبي أول عهدي بطلب الأدب وأتذكر أنني كنت أختم القرآن الكريم في شهر رمضان طفلاً من كل عام وأختم ديوان المتنبي. إنك تثير فيَّ كثيرا من الامتعاض من بعض هؤلاء الناثرين. إن بعضهم يا سيدي لا يحسن قراءة بيت للمتنبي قراءة مضبوطة مشكولة، سليمة إنك لا تستطيع أن تحيِّد ذاكرتك وأنت متماهٍ مع تجليات الإبداع لحظة القول والكتابة.
لقد هضم المتنبي كل الشعراء الذين قبله وأحسن تمثلهم وأثر في كل الشعراء الكبار الذين لحقوه فأي غضاضة في ذلك، وها هو يوهان جيته يقول وهل «الأسد غير مجموعة من الأرانب الصغيرة» وها هو حماد الراوية يقول «أحفظ ألف قصيدة مطلعها بانت سعاد» إننا ننظر اليوم في النقد الحديث إلى موضوع التأثر والتأثير نظرة إيجابية فهو دليل عافية وانفتاح على الآخرين وتواصل ومثاقفة واستيعاء لتجارب الآخرين وإنني لأفخر أن أكون تلميذاً للمتنبي وأن أقرن به وإنني لعلى ثقة مطلقة أن الذين قالوا ذلك ذهبوا إلى ما بيننا من قواسم مشتركة من جزالة اللغة وسلامتها والحرص عليها والتمكن من الأدوات على تنوعها والتجديد في الصورة وإثارة الدهشة في نفوس المتلقين والإغراب والتهويل والمبالغة واللعب على الضمير كتقنية يكاد ينفرد بها بين الشعراء والحكمة والصدور عن نفس وصلت لحقائق الحياة الكبرى ناهيك عن جودة الإلقاء والاعتزاز بالنفس، ذلك أن الشعر ونبل الفروسية مقترنان.
• أنت من أكثر الشعراء قياساً إلى عمرك إصداراً للدواوين. ومع أنك تسعى إلى التجويد والذود عن قصيدة العمود، لكن، ألست معي في أنّ النوع حربٌ للشعر الوفير؟!
من المتعارف عليه إن ابن الرومي صاحب أطول ديوان شعر عربي وربما تلاه من حيث الكثرة خليل مطران من المعاصرين وأنا قياساً لعمري ربما أكون الأكثر إنتاجاً بين أقراني وأطمح أن أكون صاحب أطول ديوان شعري عربي فبنهاية عام 2011 أصدرت ديواني الشعري السابع ندى الياسمين ضمن إصدارات مدينة معان مدينة الثقافة الأردنية 2011ولكني في الواقع لم أنشر سوى نصف ما لدي من مخطوطات شعرية. دعنا ننظر لهذا الأمر على هذا النحو: لقد أصدرت ديواني الشعري الأول العلائيات عام 1985 وتوقفت عن إصدار أي ديوان بعد ذلك مدة اثنين وعشرين عاما حتى صدر ديواني الثاني الدر الثمين 2007فباعتقادك لماذا كان ذلك؟!.. إنني شعرت أنني تسرعت بنشر ديواني الأول فعاقبت نفسي كل هذه المدة وأنا أقرأ وأجوِّد ما أكتب، لقد كان شغلي الشاغل هو أن أقدم ما أشعر أنه أفضل وأجمل وأكمل وهذه دعوة للشباب أن لا يتسرعوا بنشر ديوانهم الأول إلا بعد أن يمتلكوا الأدوات وتنضج تجاربهم وتقوى سواعدهم أنا من عشاق الجمال وعدو للقبح والرداءة وحريص على التجويد لأنني أؤمن أن الجمال والمتعة الفنية هي من أسمى أهداف الأدب والشعر إضافة إلى رسالته الوظيفية. نعم إن الكثرة في الأغلب الأعم تتنافى مع الجودة، ولكن هذا ما لا أسعى إليه أعني الكثرة دون التقيد الصارم بالجودة في أسمى تجلياتها ومظاهرها وفي شهادات كبار النقاد المنصفين ما يؤكد ما ذهبت إليه والحكم الحقيقي دائماً هو للزمن فهو الغربال الذي يبقي الجيد وينفي الرداءة.
• أنت عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، ودؤوب الحركة في العاصمة، هل من تصالحٍ بين الرابطة والاتحاد، وعلام الخلاف؟!
لقد كنت عبر ما يزيد على ربع قرن من الزمن أعمل بكل جد ودأب في مادبا لنشر الثقافة فيها من خلال إقامة الأنشطة الثقافية والندوات والأمسيات والمشاركة في كل المناسبات الدينية والاجتماعية والوطنية ولا أعتقد أن هناك من أبناء مدينتي من ينكر عليَّ ذلك قبل الانتقال للعمل الثقافي خارج المدينة واتساع دائرة النشاط الثقافي لتشمل العاصمة بما تحفل به من حراك ثقافي قل نظيره في عواصم الدول العربية الأخرى ورقعة الوطن كله، أما في ما يتعلق برابطة الكتاب واتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين فربما يكون ذلك مدعاة للتنافس الايجابي بين هيئتين ثقافيتين هما الأكبر في الوطن، ولا غضاضة في ذلك أنا لا أنظر إليه على أنه انقسام ثقافي فالثقافة واحدة ومشتركة والهدف واحد وهو خدمة الوطن والأمة والانفتاح على أفق إنساني رحيب يؤكد عمق حضارتنا وقدرتها على التواصل مع الآخر والمهم هو أن لا يسعى أحدهما لإقصاء الآخر والتقليل من قيمته ففي كلتا الهيئتين أصدقاء مبدعون نفتخر بنتاجهم وإبداعهم ولا أرى بينهما تناقضاً جوهرياً أو خلافاً حاداً وكما توجد في الرابطة سلبيات كذلك يوجد في الاتحاد. أنا ضد الإقصاء والتهميش وضد عدم الاعتراف بجهود الآخرين وعدم إنصافهم وبرغم ذلك كله تبقى أمنية اندماجهما في هيئة ثقافية واحدة أمنية عزيزة نتمنى أن نراها واقعاً ملموساً في يوم قريب إذا كان ذلك يخدم الوطن بشكل أكثر ايجابية.
• ثمة حروبية بينكم أنتم يا أنصار قصيدة العمود!.. فتداركوا أمركم قبل مجابهة أصحاب النصوص.. الناثرين؟!
دعني أقرر الحقيقة التالية إن الإبداع والجمال ليس حكراً على شكل أدبي دون غيره من أشكال التعبير، إن الشعر العمودي لا يرفع من قيمته كونه عمودياً فقط فهو يعج بالنظم ويحفل بالرداءة ونادراً ما يلفتنا نص يترك أثراً فينا. ونص النثر لا يقلل من قيمته كونه نثراً فلرب نص نثري فاق قصيدة العمود روعة وجمالاً. إن إعجابنا وتقديرنا يجب أن يكون منحازاً للجمال حيث وجد. وإنني أدرك حجم وعمق التحديات التي تواجه قصيدة العمود اليوم، فالذائقة الحديثة المعاصرة تحتاج ما يرقى لمستوى تلبية احتياجاتها وأنا أفرق بين النظم والشعر وأخرج النظم من دائرة الشعر بمفهومه الواسع الذي هو لغة الروح ومرآة النفس وبوح الحس وصوت الوجدان وأدعو زملائي ممن يكتبون قصيدة العمود إلى الاستفادة من المنجز النقدي الحديث واستلهام الدراسات والأبحاث النقدية الحديثة وتخصيب نصوصهم بالانفتاح على تجارب الآخرين والآداب العالمية والاستفادة من معطيات نص النثر أو (النثيرة).
وأدعو للابتعاد عن التقريرية والمباشرة والتخلص من المنبرية والخطابية وترسيخ الشعرية واللغة الشاعرة وتوظيف تقنيات الإبداع القديمة والجديدة واستخدامها في نصوصهم كالمجاز والاستعارة والانزياح وتراسل الحواس والتركيز على الصورة الشعرية والابتكار والتجديد والمحافظة على الوحدة الموضوعية للقصيدة والعضوية والأفقية للبيت والاهتمام بالقوافي التي يجب أن تقع في مواضعها حتى تكون قادرة على المنافسة والتفوق.
• هل ستظهر أجندتك الأدبية في عضويتك بعليا مدينة الثقافة إلى جانب متنوعي الاهتمام بين الثقافة والإدارة والنيابة وموظفي الوزارة؟!
زملائي الكرام الذين أكن لهم كل تقدير ومحبة في اللجنة العليا لمادبا مدينة الثقافة الأردنية قادمون من خلفيات متنوعة وكل إنسان في هذه الدنيا له ما يطمح إليه ويسعى لتحقيقه، ولا شك أن ما يجمعهم جميعاً هو خدمة الوطن عموما ومادبا تحديداً وخدمة الثقافة وأنا واحد من هؤلاء.
ولا بد من أجندة خاصة لكل إنسان بالمعنى الإيجابي ترتبط بدائرة نشاطه واهتماماته. إنني قادم من خلفية الشعر والأدب ولذلك يشغلني التعريف بشباب مادبا المبدع وتقديمهم للوطن من خلال إقامة الأمسيات لهم ومن خلال نشر نتاجهم والأخذ بأيديهم لتحقيق طموحاتهم المشروعة وتعريفهم بأدباء وشعراء الوطن الذين تربطني علاقة صداقة بمعظمهم بالاستفادة من كون مدينتهم هي مدينة الثقافة الأردنية لهذا العام وتشغلني قضية الذهاب إلى الناس في أماكن تواجدهم في القرى والأرياف بالفعاليات لا انتظار قدومهم لمركز المدينة. أريد أن يشعر المواطن المادباوي بأثر كون المدينة مدينة الثقافة تسهم في تشكيل سلوكه ووجدانه. أريد أن تكتسب الأنشطة الثقافية صفة الديمومة بعد انتهاء العام. لابد من العمل على إقامة مركز ثقافي يحتضن أنشطة المدينة الثقافية ويلم شتات الأندية والهيئات الثقافية في مادبا أسوة بغيرها من المدن الأخرى في الوطن ومجلة ثقافية تصدر باستمرار تحمل إبداع أبناء المدينة وتعرف بهم وبنتاجاتهم

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى