شرق آسيا بين التاجر والفاجر / وليد عبد الحي

شرق آسيا بين التاجر والفاجر

لغة التهديد المتبادل بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تشكل نموذجا للمواجهة بين براغماتية التاجر وفجور الطاغية السياسي الذي يختزن عنادا آيديولوجيا ممزوجا بدلال طفولي، فالاول (ترامب) تقوم فلسفته على خبرته في “البيع والشراء” ومحاولة تحقيق الربح السريع والتعامل مع العالم على أساس ثنائية محددة ترى في الآخر إما زبونا أو منافسا في السوق ، لكنه يدرك ان خيوط “اليد الخفية” في ثنايا المؤسسات وجماعات الضغط في مختلف القطاعات تفرض عليه قدرا من تكييف نمط نظرته تلك، اما الثاني الفاجر ( كيم جونغ اون) الذي لا يعنيه أن دولته تحتل المرتبة الاخيرة في مؤشرات الديمقراطية وأنها تحتل المرتبة الاولى عالميا في مؤشرات الفساد وأن النمو الاقتصادي لها يتعثر بفعل تحجر آيديولوجي وحصار دولي خانق حيث تكاد تجارته الخارجية ان تكون محتكرة من دولتين هما الصين التي تستحوذ على 76% من تجارة كوريا الشمالية والكونغو الديمقراطية 6% والباقي موزع على عدد قليل من الدول في صدارتها الهند حوالي 4%.
هل تحدث المواجهة بين التاجر والفاجر؟
رغم الغموض في جوانب مختلفة من معطيات القضية،فإن بعض المؤشرات تساعد على بناء تصور أولي:
1- ان التاجر (ترامب) وظف فلسفة المقايضة مع الصين، فبعد ان كان يرغي ويزبد ضد الصين، نراه يعول عليها في أن تقوم بدورها لكبح “الفاجر” مقابل ان يعطيها مكاسب في العلاقات التجارية وفي موضوع تايوان بشكل اساسي.، ولعل ابلاغ الصين لكوريا الشمالية عن إعادة شحنة من الفحم والغاء الخدمات الجوية مع كوريا دليل على ان فلسفة التاجر بدات تعطي ثمارا أولية.
2- بعد أن اعلن موظفو التاجر ان بارجه بحرية امريكية تتجه صوب شرق آسيا عند اعلان موظفي الفاجر عن احتمال الكشف عن تطور عسكري جديد مع ذكرى ميلاد الجد ، عاد موظفو التاجر للقول أن التجربة الصاروخية الكورية الشمالية ” فشلت وأن البارجة ليست متجهة نحو شرق آسيا”، بينما كوريا قالت انها لم تجر تجربة صاروخية.
3- لكن القلق يبقى لدى التاجر قائما من المشروعات الاستراتيجية للفاجر، فالاعتقاد الامريكي القوي بان كوريا لشمالية تسعى لتطوير منظومة صاروخية قادرة على الوصول للاراضي الامريكية، وهو أمر جعل الصين تعيد تكرار دعواتها بأنها ما تزال تتبنى مشروع ” خلو شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي”
4- تشير تصريحات كوريا الجنوبية بخاصة من وزارة الخارجية وبعض المعلقين الامريكيين ان أية ضربة ستقوم بها الولايات المتحدة لكوريا الشمالية يجب أن توافق عليها كوريا الجنوبية ، بل واليابان لعدة اسباب:
أ- ان كوريا الشمالية قد ترد بضرب القوات الامريكية في هاتين الدولتين ( حوالي 40 الف جندي امريكي في اليابان وحوالي 24 الف جندي في كوريا الجنوبية)
ب- أن كوريا الشمالية قد ترد بضرب اهداف ” مدنية” في كوريا الجنوبية واليابان وهو ما قد يؤدي لكوارث بشرية واقتصادية.
ج- ابداء بعض المسئولين الكوريين الجنوبيين من امتعاضهم من نصب الولايات المتحدة نظام دفاع صاروخي في كوريا الجنوبية لا سيما ان ذلك لم يلق ترحيبا من الصين أيضا.
إن متابعة بعض الدراسات والمقالات الكورية الشمالية توحي بمشاعر الدونية الغامضة لدى النخبة الكورية الشمالية في مواجهة كوريا الجنوبية، فرغم ان مساحة كوريا الشمالية أكبر وبالتالي كثافتها السكانية أقل (حوالي 120 الف كم2 مساحة و 24 مليون نسمة مقابل 100 الف كم2 للجنوبية وخمسين مليون من السكان تقريبا)،لكن الفارق الاقتصادي في معدلات النمو وفي مستوى دخل الفرد وحجم الناتج المحلي ومستوى التطور التقني وطبقا لدراسات الباحثين المتخصصين في اقتصاديات المنطقة مثل أندريه لانكوف تعزز هذه المشاعر، فدخل الكوري الجنوبي يعادل سبعة عشر ضعف دخل الشمالي رغم ان معدل الدخل للكوريتين في مطلع السبعينات كان متساويا تقريبا، لكن مشروعات ” الفاجر ” العسكرية جعلت انفاقه العسكري يصل إلى 23,3% من اجمالي الناتج المحلي (الاولى عالميا) مقابل 2,6% في كوريا الجنوبية.
يبدو من المعادلة ان الفاجر شغوف بتحقيق بعض المكاسب التكتيكية حتى لو كانت مكاسب ملتبسة من خلال التهديد بالرد، بينما عيون التاجر على المكاسب الاستراتيجية حتى لو كانت ” براغماتية” المذاق وبدون حرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى