سيناريوهات الأزمة التونسية

سواليف

تواجه #الديمقراطية #التونسية اختباراً حاداً وغير مسبوق منذ الإطاحة بالرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في مطلع 2011، بعد أن سعى الرئيس للاستيلاء على السلطة من بقية أركان #الحكومة في تحرّكٍ أدانه خصومه باعتباره انقلاباً.

ولا يبدو أنّ الرئيس قيس سعيد، الذي أعلن قراراته يوم الأحد 25 يوليو/تموز، قد نجح بالكامل في مسعاه حتى مساء الإثنين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.

إذ اندلعت الفوضى في أرجاء البلد الشمال إفريقي. لكن العديد من التونسيين قد أعربوا عن دعمهم له وسعادتهم بأفعاله؛ وذلك نتيجة إحباطهم بسبب الاقتصاد الذي لا يتحسّن والجائحة التي عصفت بالمستشفيات في الأسابيع الأخيرة.

لكن البلد الذي شهد بدء الاحتجاجات بدأ يُشكّك حتى في بقايا مُثُله الثورية؛ مما يُمثّل اختباراً كبيراً لالتزام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالمبادئ الديمقراطية في الخارج، حسب New York Times .

ففي واشنطن، لم يُصوّر المسؤولون الأحداث في تونس على أنّها انقلاب، لكنّهم قالوا إنّهم يتابعونها بقلق؛ إذ قالت وزارة الخارجية في بيانها: “يجب على تونس ألا تُبدّد مكاسبها الديمقراطية”. بينما شجّع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في مكالمةٍ هاتفية يوم الإثنين، قيس سعيد على “الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
هل يمكن للبرلمان التونسي عزل الرئيس؟

وفي تحدٍّ للرئيس التونسي، قال رئيس الوزراء هشام المشيشي إنّه سيعقد اجتماعاً وزارياً بعد إعلان السعيد إقالته مع عددٍ من الوزراء، ثم أعلن لاحقاً استقالته لضمان سلامة التونسيين، بعدما أفادت تقارير بأنه محتجز في منزله.

وقال صفوان المصري، نائب الرئيس التنفيذي لشبكة Global Centers في جامعة كولومبيا: “إنّه تطوّرٌ مثيرٌ للقلق ويُعرّض الديمقراطية لخطر الانهيار الكبير. ويتمثّل السيناريو المتفائل في انتصار البرلمان والدستور والمؤسسات الديمقراطية، ثم إجباره على ترك منصبه. لكنّني أستبعد حدوث ذلك”.

ودعا سيف الدين مخلوف، رئيس كتلة “ائتلاف الكرامة” (18 نائباً من 217) الذي يمثل تياراً إسلامياً أكثر محافظة من #النهضة، #البرلمان إلى عزل قيس سعيد.

مخلوف قال: “نرفض صنع #ديكتاتورية جديدة، ولن تكون فرعون، والشعب الذي عمل ثورة على ماكينة استبداد لن يقبلك، و #مجلس #نواب #الشعب ليس مُجمّداً ولن يُجمّد”، داعياً كل النواب إلى “الحضور أمس الإثنين بالبرلمان في الجلسة العامة، من أجل النظر في لائحة لعزل سعيد”.

وسبق أن هدد النائب عن حزب قلب تونس عياض اللومي بأنه سيتم البدء في إجراءات عزل سعيد عبر تفعيل الفصل الـ88 من الدستور لتجاوزه مقتضيات النص الدستوري، سبب رفضه التصديق على تعديل وزاري.

وينص الفصل 88 من #الدستور على أنه “يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الحالة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى”، علماً أنه لم يتم تشكيل المحكمة الدستورية حتى الآن، حيث رفض سعيد توقيع القانون الذي سنه البرلمان بشأنها.
..ومجلس القضاء يرفض قرارات الرئيس

أعلن الرئيس بالفعل أنّه سيتولّى صلاحيات المدعي العام ويُجرّد النواب من حصانتهم.

وكشف مجلس القضاء الأعلى في تونس، الإثنين 26 يوليو/تموز 2021، أنه أبلغ الرئيس قيس سعيد رفضه قرار ترؤس النيابة العامة ضمن مجموعة القرارات المفاجئة التي اتخذها الأخير، كما أكد المجلس استقلالية السلطة القضائيّة وضرورة النأي بها عن كلّ التجاذبات السياسية، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية.

المجلس قال إنه التقى الرئيس التونسي قيس سعيد بدعوة منه، ووفق بلاغ المجلس الذي نشر على الصفحة الرسمية له في موقع فيسبوك، فقد تمّ التأكيد خلال اللقاء على استقلالية السلطة القضائيّة، و”أن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ويضطلعون بمهامهم في نطاق الدستور والقانون في حماية الحقوق والحريات”.

كما شدّد المجلس على أنّ النيابة العموميّة جزء من القضاء العدلي يتمتع أفرادها بنفس الحقوق والضمانات الممنوحة للقضاء الجالس، ويمارسون مهامهم في نطاق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل.
أزمة الديمقراطية التونسية

وربما حقّقت #تونس بعض مظاهر الديمقراطية، لكنّها عانت من ارتفاع البطالة وتباطؤ الاقتصاد والفساد، لتجعل العديدين يُشككون في قيمة الثورة من الأساس.

وفي يوم الأحد، دعا متظاهرون في تونس إلى حل البرلمان، ليمنحوا السعيد غطاءً شعبياً حتى يُعلن في الليلة نفسها أنّه سيُقيل المشيشي ويُجمّد البرلمان 30 يوماً ليتولّى السلطة التنفيذية.

وقد وصف حزب حركة النهضة أفعاله بأنّها “انقلاب على ديمقراطية تونس ودستورها، وخيانة لكل تونسي”. كما حث الحزب سعيد على التراجع عن قراراته فوراً.

وبعد ظهر الإثنين، تم إغلاق البرلمان مع تواجد مكثف لعناصر الشرطة خارجه وجنود الجيش داخله. بينما احتشد الجمهور أمام المبنى، 200 فرد من أنصار النهضة مقابل 150 من أنصار سعيد، وتبادل الطرفان إلقاء زجاجات المياه والحجارة بين فينةٍ وأخرى.

وقالت هدى (24 عاماً)، موظفة الأرشيف التونسية: “نحن نقف مع سيادة القانون والشرعية. وإذا أراد شخصٌ إبعاد الناس عن السلطة، فبإمكانه فعل ذلك من خلال صناديق الاقتراع وليس الانقلاب”.

بينما ضمّت قائمة أنصار سعيد السيدة أمل برهومي (30 عاماً)، التي قالت إنّها سئمت الاضطرابات السياسية التي لا تنتهي مثلها في ذلك مثل العديد من التونسيين.

وأوضحت: “لقد هرمنا. نحن لسنا ضد الديمقراطية، بل نريد التغيير. ولا أحد يثق في النخبة السياسية الآن. وأعتقد أن طريقة التعامل مع الجائحة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير”.

فعند انتخاب سعيد عام 2019، أمل العديد من التونسيين في أنّ يستطيع تغيير الأوضاع لأنّهم رأوا فيه شخصاً غير فاسد من خارج الحياة السياسية. لكن بعد أنّ أثار السخط الشعبي الآن بانتزاعه السلطة، ليس من الواضح كيف سيتمكّن من إرضاء المطالب بحل مشكلات تونس المتعددة.

قال طارق المجريسي، الزميل البارز في European Council on Foreign Relations: “لم يكُن قيس مشهوراً كشخص، لكن الناس كانوا قد سئموا النخب السياسية الحالية؛ لذا فهم يحمِّلونها مسؤولية كل مشكلات البلاد، ويعتقدون أنّ تلك النخب يجب إبعادها”.

وكانت هذه المواجهة تختمر منذ فترة؛ حيث علق سعيد في اقتتالٍ داخلي سياسي منذ انتخابه مع المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي. وكان السعيد قد ألمح منذ شهور إلى توسيع سلطاته، حين رفض قبول قسم الوزراء ومنع تشكيل محكمةٍ دستورية، ليُثير بذلك القلق بين خصومه والمحللين السياسيين.

علماً بأن المشيشي كان المستشار القانوني لقيس سعيد، وقد عينه وزيراً للداخلية في الحكومة السابقة، قبل أن يختاره لرئاسة الحكومة.

ولم يُخفِ سعيد رغبته في تغيير النظام السياسي في تونس. فقد كان المشيشي، رئيس الوزراء الذي اصطدم معه، من تعيين سعيد، وصدَّق عليه البرلمان. لكن اتسعت الخلافات بين الرجلين عندما رفض سعيد المصادقة على التعيينات الوزارية للمشيشي.

لم يكُن الصراع بين الرئيس ورئيس الوزراء أيديولوجياً؛ إذ لم يكن أي من الوزراء سياسياً، ولم يكن لحركة النهضة أي يد في اختيارهم. كان من المفترض أنها حكومة تكنوقراط. وكان الخلاف حول السلطة، وسعيد يريدها كلها، حسب الكاتب الصحفي البريطاني ديفيد هيرست.

وسبق أن وجه سعيد إشارة صريحة إلى أن رئيس البلاد له السلطة على قوات الأمن الداخلي في البلاد، وليس الجيش فقط، لتضع العديد من المراقبين والسياسيين في تونس في حالة ترقب وتأهب قصوى لما يمكن أن يحدث بناء على ذلك.

واقع الأمر أن الدستور التونسي لعام 2014 التفت بعناية إلى الفصل بين السلطات وما يخضع منها للسلطة التنفيذية، وتمنح بنوده الرئيسَ صلاحيات فيما يخص الشؤون الدبلوماسية والعسكرية، فيما تخضع وزارة الداخلية وقوات الأمن الداخلي، من الناحية النظرية، لسيطرة رئيس الوزراء.
انقلاب مدبر قبل أزمة كورونا

واستجابةً لحالة الفوضى في عملية نشر لقاحات كوفيد-19 داخل تونس الأسبوع الماضي، والارتفاع الكبير في أعداد الحالات التي غمرت المستشفيات؛ سحب سعيد السيطرة على استجابة تونس لفيروس كورونا من وزير الصحة وسلّمها إلى الجيش.

ومساء الأحد، لجأ السعيد إلى المادة 80 من الدستور، التي تمنح الرئيس صلاحيات استثنائية. وقد أوضح أنّه تشاور مع المشيشي والغنوشي، ثم عقد اجتماعاً طارئاً مع مسؤولين آخرين قبل التحرك.

وأردف أنّه يفعل ذلك من أجل الحفاظ على “سلامة واستقلال البلاد، وحماية استمرار العمليات داخل مؤسسات الدولة بشكلٍ طبيعي”.

لكن المادة الـ80 تمنح الرئيس تلك الصلاحيات فقط في حال مواجهة البلاد لتهديدٍ وشيك، وبعد التشاور مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان. لكن الغنوشي أنكر تشاور السعيد معه.

وحسب الكاتب البريطاني ديفيد هيرست فإن خطط سعيد قديمة وليس لها علاقة باستفحال أزمة كورونا.

إذ نشر موقع Middle East Eye البريطاني قبل أشهر وثيقة عبارة عن رسالة من صندوق البريد الرئاسي، تتضمن خطة لانقلاب.

وأُجبِر قيس سعيد بعد أربعة أيام من نشر الوثيقة على الاعتراف بأنَّها حقيقية. بل كانت خطة واضحة المعالم وضعها مستشاروه الأقرب.

وجاء في الوثيقة، التي كشف عنها موقع Middle East Eye، أنه بعد استدراج رئيس الوزراء هشام المشيشي ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي إلى القصر واحتجازهما هناك، سيُعيَّن اللواء خالد اليحياوي وزيراً للداخلية بالإنابة.

وهذا ما حدث صباح الإثنين، 26 يوليو/تموز. إذ كُلِّف اليحياوي بالمنصب ليكون الرجل الذي يقود الحملة التي تُنفَّذ الآن ضد السياسيين والصحفيين.

في حين أظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على الشبكات الاجتماعية الحشود وهي تهتف وتُلوّح بالأعلام التونسية بعد قرارات الرئيس التي أعلنها مساء الأحد. بينما أظهر مقاطع أخرى السعيد وهو يمر وسط حشودٍ من أنصاره بطول الطريق الرئيس في تونس العاصمة، حيث احتشد الثوار قبل سنوات خلال احتجاجات عام 2011.

ولم تتضح بعد الخطوة التالية لتونس. لكن البلد الإفريقي قد فشل حتى الآن في تشكيل المحكمة الدستورية، التي تمت الدعوة لها في دستور 2014، حتى تتمكن من الفصل في مثل هذه النزاعات.

وفي بيانه، قال سعيد بشكلٍ غامض إنّه سيُصدر مرسوماً قريباً “لتنظيم هذه التدابير الاستثنائية التي أملتها علينا الظروف. وسوف يتم رفع هذه التدابير حين تتغير الظروف”. كما أقال وزير الدفاع والقائم بأعمال وزير العدل مساء الإثنين.

وتعكس انقسامات تونس حجم الانقسام الأوسع في الشرق الأوسط بين القوى الإقليمية التي دعمت الثورات العربية (تركيا وقطر) وبين الدول التي قادت الثورات المضادة (السعودية والإمارات ومصر). فبينما أعربت تركيا وقطر عن قلقهما يوم الإثنين، التزمت بقية الدول الصمت.

المصدر
عربي بوست
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى