أبو بكر الكبابجي الصيني / أحمد منصور

أبو بكر الكبابجي الصيني
ا أعرف المدن إلا إذا مشيت في أسواقها وشوارعها وتكلمت مع أهلها وغصت في أعماقها وبطونها وأحشائها، وهكذا أفعل دائما إذا أحببت أن أتعرف على مدينة لا أحب أن أكون مجرد عابر سبيل ولذلك في بعض الأحيان أدل أصدقائي الذين يعيشون في المدن التي أزورها على أماكن في مدنهم لا يعرفونها وعادات لم يألفوها، وهكذا فعلت مع معظم مدن الصين التي زرتها خلال ثلاث رحلات على مدى سبع سنوات، وبينما كنت أمشي في قلب مدينة «جولين» إحدى أجمل المدن ليس في الصين فقط وإنما في العالم من حيث الطبيعة الربانية الخلابة والخضرة الزاهية المنسقة المرتبة والأشكال الجبلية المختلفة والمتجانسة التي تشكل مع الأنهار والبحيرات لوحات طبيعية ساحرة للنفس، آسرة للوجدان، خرجت من أحد الشوارع الرئيسية لأستطلع ما في الشارع الجانبي منه، ففوجئت بـ «النان» خبز المسلمين معروضا داخل صندوق زجاجي، فوقفت لأتبين الأمر، فوجدت رجلا يقف على ناصية الشارع خلف شواية على الفحم يشوي اللحم، جاءت عيني في عينه مباشرة فقلت له «مسلم» قال وهو يبتسم «مسلم الحمد لله» قلت له وأنا أشير إلى اللحم «حلال» قال «حلال» وأشار إلى صورة كبش أقرن من كباش منغوليا، كان مكانه يشبه إلى حد كبير الكبابجية الذين يوجدون على النواصي في الحسين والسيدة والأماكن الشعبية في مصر الذين تجد عندهم ألذ وأطيب ما يمكن أن تأكله من كباب، لكن اللحم عنده كان معروضا بشكل جميل وكان مقطعا ومغطى وداخل صناديق زجاجية عيدان من العصي داخل كل منها خمس قطع من اللحم والشحم يتم شواؤها على الفحم وبعد الشوي يأخذ المشترون العيدان وعليها اللحم مباشرة ليأكلوها بعضها مع «النان» وبعضها مباشرة دون خبز، لا توجد لديه جلسة أو كراسي «على الواقف» كما يقول المصريون، لكني اقتربت منه وسلمت عليه وقلت له وأنا أشير إلى نفسي «أحمد» قال وهو يشير إلى نفسه «أبو بكر» ثم أشار إلى زوجته التي كانت تساعده وقال «عائشة» ثم إلى ولديه التوأمين وقال «نصر الله وأمر الله». ملأت نفسي باليقين والحب تجاه العائلة كلها وكأني أعرفهم من قديم، وجاء نصر الله وأمر الله يعانقانني وكل منهما يقول «السلام عليكم»، قامت ألفة بيني وبين أبو بكر من اللحظة الأولى جذب كرسيا من البلاستيك فأجلسني عليه، بينما كان يعد بعض الشواء للزبائن، كنا قبل صلاة الجمعة وموعد غداء الصينيين يبدأ الساعة 12 ظهرا وموعد عشائهم في الخامسة عصرا، لم يكن يعرف إلا الصينية، لكن لغة الاشارة ظلت هي اللغة السائدة بيننا طيلة أيام معرفتي به، سألني إن كنت من تركيا قلت له مصر، فعرف مصر مباشرة وقال «الأزهر»، ولأني كنت أتحدث إلى الزبائن وأسألهم إن كانوا يعرفون الانجليزية فإن صادفت من كان يعرفها ترجم بيني وبين أبو بكر بعض ما أريد أن أقول له، سألته عن المسجد وصلاة الجمعة، أشار إلى ساعته أن صلاة الجمعة في الواحدة والنصف، وسوف يذهب إلى المسجد على دراجته النارية وسوف يأخذني خلفه بينما نصر الله وأمر الله سيقفان بين يديه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى