سليل المعتصم في الطوارىء ونسكافيه الجبصين

#سليل #المعتصم في #الطوارىء و #نسكافيه الجبصين

د. حسام العودات


في صيف عام ١٩٩٩ كنت فرفورا في السنة الأولى من سنوات اختصاص الجراحة ، مقبلا على الحياة مزهوا بالجراحة التي سلبتني لاحقا راحتي وشعر رأسي .
وفي أحد أيام مناوباتي حضرت للدوام متأخرا بسبب عطل في ( سيارتي الفيراري )
تسللت لجناح المرضى مرورا بالطوارئ ،
وقبل وصولي للمصاعد استوقفتني سيدتان والخوف كان باديا عليهما ، وكن يسألنني بلهفة عن زميلة لهن بالعمل وقد أحضرها الدفاع المدني للمشفى بعد أن تعرضت لحادث سير أثناء ذهابها للدوام .
فلم أتردد أبدا بالمساعدة ، وبدأت رحلة البحث عن تلك المصابة . بحثت في الطوارئ فلم أجدها، وبحثت في الأقسام ووحدة العناية الحثيثة والأشعة والعمليات ولم تكن هناك .
وبعد رحلة البحث الطويلة والإتصالات الكثيرة ، قلت لهن : إنها غير موجوده في المستشفى ، لا داعي للقلق ويبدو أن اصابتها كانت خفيفة وعادت للبيت . فقالت احداهن : ولكن سمعنا أن الحادث كان شنيعا . فقلت بلغة الواثق : يا ستي ما دامها خضرا ما بتبس ، والناس بتعمل البحور مقاثي ، وانتو مش غشيمين عن مجتمعنا اللي بعمل من الحبه قبه . توكلوا على الله وروحن عدارها هننها بالسلامه .
لا تتخيلوا كم من عبارات الشكر والثناء قد سمعت منهن في صباح ذلك اليوم .
يومها شعرت حقا أن المعتصم ما زال حيا وها هم أحفاده في طريق العزة والنخوة ماضون .
بعدها مررت على زملائي في الطوارئ طالما أنني تأخرت كثيرا ، والبهدلة لا مفر منها . وطلبت كاسة نسكافيه بالجبصين من الكشك المقابل للطوارئ ، نعم نسكافيه بالجبصين ولا عجب ، فالحليب الذي كان يوضع من أسوأ الأنواع ، واذا نظرت الى سطح كاسة النسكافيه تدرك حينها أنك أمام مشهد للأنهار الجليدية في القطب المتجمد الشمالي , فكتل الحليب غير الذائبة تملأ المكان .
وما هي الا عشر دقائق حتى تعالت الأصوات في الطوارئ ، فهرولت مسرعا لأرى مشهدا يدمي القلب من بكاء وأنين .
لم يكن شيئا غريبا على طبيب ، ولكن الكارثة أن تلك السيدات اللواتي قمت بمساعدتهن كن يبكين ، لأعرف بعد ذلك أن زميلتهن كانت في ثلاجة الموتى .
رحمها الله
فلا تستغربوا من نفسية الطبيب المتعبة دائما .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى